السبت، 22 نوفمبر 2025

Published نوفمبر 22, 2025 by with 0 comment

«حين صمتت الأبواب… من سرق دفء الجيرة؟»

«حين صمتت الأبواب… من سرق دفء الجيرة؟»

«حين صمتت الأبواب… من سرق دفء الجيرة؟»




هل تلاشت الجيرة؟
هل مات ذلك الخيط الذي كان يربط بيتًا ببيت، وقلبًا بقلب؟
كيف تحوّلنا من مجتمعاتٍ كانت فيها الأبواب لا تُغلق، إلى مدنٍ صامتة لا يعرف فيها الجار اسم جاره؟

هذه الأسئلة لم تعد رفاهية، بل صارت حديث كثيرين يشعرون أن شيئًا ما انكسر… وأن العلاقات التي كانت تمنح الحياة دفئها، بدأت تتباعد حتى صارت مجرد تحية سريعة في المصعد، أو هزة رأسٍ بلا معنى عند مدخل البيت.


حوادث واقعية تُجسّد تراجع الجيرة

الأمر لا يبقى كلامًا فلسفيًا فقط، بل هناك واقع محزن يبرزه بقوة: حوادث كثيرة في مجتمعات عربية، وبخاصة في سلطنة عُمان، تروي كيف أن الانعزال الاجتماعي والخطأ في التحقق قد يؤدي إلى مآسي.

  • حادثة العُتكية / العامرات (عُمان): في نوفمبر 2025، أعلنت الشرطة العُمانية عن وفاة عائلة مكونة من زوجين وأربعة أطفال في منطقة العُتكية بولاية العامرات، بسبب استنشاق أول أكسيد الكربون داخل المنزل. الاعلام عمان (مجمعة أخبار)

  • حادثة أخرى في العُمان (العاصمة): أكثر فظاعةً هي ما ورد في خبر من صحيفة Gulf News مؤخرًا، حول عائلة من ستة أفراد (أب، أم، أربعة أطفال) وُجدوا ميتين في منزلهم بمنطقة العُتكية أيضاً، بسبب تسرب محتمل لمنظومة التدفئة أو غاز داخلي (يُعتقد أنه أول أكسيد الكربون). Gulf News

  • حريق مأساوي في قرية خور الحمام: في 2018، احترق منزل عائلة من 10 أشخاص في تلك القرية، وأكدت الشرطة أن الوفاة كانت بسبب استنشاق الدخان. The New Arab

هذه الحوادث تثير تساؤلًا أعمق: لو كان الجيران يطّلعون ويتفقدون بعضهم البعض كما في الزمن القديم، هل كان من الممكن اكتشاف تسرب الغاز أو الدخان مبكرًا؟ هل كان بإمكان أحدهم يطرق الباب، أو يسأل “هل أنتم بخير؟” — وربما ينبههم أو يستدعي مساعدة؟


حوادث واقعية إضافية تُجسّد تراجع الجيرة عبر العالم العربي

إلى جانب الحوادث في عُمان التي ذكرتها، هناك العديد من الأمثلة من دول عربية أخرى توضح أن العزلة بين الجيران قد تؤدي إلى مآسي مشابهة. هذه بعض من تلك الحوادث:

  • مصر – حلوان: في ديسمبر 2024، لقيت أسرة مكونة من ثلاثة أفراد (أب، أم، وابنة) مصرعها داخل منزلهم بحي عرب غنيم في حلوان بسبب استنشاق غاز ناتج عن تسرب من سخان المياه. المصري اليوم+2المصري اليوم+2

  • مصر – حدائق أكتوبر: عروسان حديثا الزواج وُجدت جثتاهما داخل شقتهما بعد تسريب غاز من سخان الحمام، ما أدى إلى وفاتهما بسبب اختناق أول أكسيد الكربون. المصري اليوم

  • مصر – الإسكندرية (منطقة العجمي): وفاة عاملة وجرح زوجها نتيجة استنشاق غاز داخل الشقة، بعدما لوحظ تسرب غاز من سخان الحمام. اليوم السابع

  • الأردن: وفاة أربعة أفراد من عائلة في محافظة إربد إثر استنشاق غاز من المدفأة (أكسيد الكربون) في المنزل، وهي حادثة تؤكّد مدى خطورة ما يُسمّى “القاتل الصامت”. المصري اليوم

  • الأردن – حالة تحذير من أم: سيدة توجّه نصيحة للناس بعد وفاة زوج ابنتها الشاب محمد عربيات بسبب اختناقه بغاز أكسيد الكربون من التدفئة. صحيفة السوسنة الأردنية

  • الإمارات – خورفكان: حادث حريق في منزل نجم عن تسرب غاز من شبكات الصرف الصحي، ما تسبب في انفجار وإصابات. الإمارات اليوم

  • السعودية – القريات: رحلة برية تنتهي بشكل مأساوي، حين توفي زوجان اختناقًا في خيمتهما بسبب تراكم أول أكسيد الكربون الناتج من إشعال الفحم للتدفئة داخل الخيمة المغلقة. Al Arabiya

  • السعودية – الأحساء: حادث مأساوي أدى إلى وفاة 7 أفراد من عائلة واحدة بسبب اندلاع حريق في المنزل ناتج عن شاحن جوال موصول بالكهرباء، ما يُظهر أن الخطر المنزلي لا يقتصر دائمًا على الغازات فقط، بل حتى على الإهمال في الأجهزة الكهربائية. 


أين ذهبت الجيرة القديمة؟

في الماضي، لم تكن الجيرة مجرد سكنٍ متجاور، بل كانت حياة مشتركة.
كانت الأمّ تطرق باب جارتها بلا موعد، والأطفال يلعبون في فناء واحد، ورجل الحيّ يسأل عن غياب رجل آخر كأنه فرد من عائلته.

كان الجار يعرف تفاصيل جاره، لا من باب الفضول، بل من باب الحبّ والحرص والمسؤولية.

اليوم… يبدو المشهد مختلفًا تمامًا.
أبواب مغلقة.
نوافذ مُحكمة.
كل بيت جزيرة منعزلة.

فما الذي تغيّر؟


هل المادة هي التي أفسدت الجيرة؟

هل هو المال؟
هل صار الناس يعتقدون أن الاكتفاء المادي يعني الاكتفاء الاجتماعي أيضًا؟

في الماضي كانت البيوت بسيطة، وقد يكون وقتهم أقل راحة ممّا لدينا اليوم، لكن قلوبهم كانت واسعة.
اليوم أصبحت الحياة أكثر رفاهية، ولكن العلاقات أكثر هشاشة.

هل المال جعلنا نخشى الاحتكاك بالآخر؟
أم جعلنا نرى الجار “خطرًا محتملًا” بدل أن نراه “عونًا محتملًا”؟


أم أن الناس تتجنّب المشاكل؟

هناك رأي يقول:
الناس لم تتغيّر… الذي تغيّر هو حجم المشاكل وتعقيد العلاقات.

في الماضي كان الخلاف بسيطًا، يُحل بكلمة أو زيارة.
اليوم أصبح الجار يخشى أن أي تدخل قد يُفسَّر على أنه تطفل، أو ينقلب إلى سوء ظن، أو مشكلة قانونية.

فهل تراجع التواصل بدافع الحذر؟
وهل الحذر كان ضرورة… أم هروبًا؟


أم أننا أصبحنا نخاف الاقتراب؟

نعيش اليوم في زمن مزدحم، مضغوط، متوتر.
صار كل شخص مشغولًا بنفسه، مهمومًا بقضاياه، متعبًا من ضغوط العمل والحياة، فيكتفي بسلام بارد حتى لا يضيف لحياته “عبئًا جديدًا”.

لكن السؤال الحقيقي هو:
هل البُعد عن الجيران يخفف العبء… أم يزيد الوحدة؟


هل المشكلة في الناس… أم في طريقة الحياة؟

ربما لم يتغيّر الناس بقدر ما تغيّرت الإيقاعات:

  • العمل يمتد لساعات طويلة.

  • التكنولوجيا جعلت الاتصال افتراضيًّا.

  • المدن الحديثة صارت مغلقة ومصممة للفرد لا للجماعة.

  • مستويات الثقة الاجتماعية انخفضت عالميًا.

فهل نحن ضحية نمط حياة… أم ضحية تغيّر داخلي؟


وماذا خسرنا؟

حين تراجعت الجيرة، خسرنا أشياء كثيرة:

  • خسرنا الإحساس بالأمان.

  • خسرنا الدفء الإنساني.

  • خسرنا القدرة على الاعتماد على الآخر في الأزمات.

  • وخسرنا ذلك الشعور الجميل بأنك لست وحدك.

فهل يمكن أن تعود الجيرة مرة أخرى؟
هل يمكن أن يعيد الناس فتح قلوبهم… كما كانت من قبل؟


إلى أين نمضي؟

الأسئلة كثيرة، والإجابات متباينة، لكن الحقيقة التي لا تختلف عليها القلوب هي:
الجيرة ليست عادة قديمة، بل حاجة إنسانية لا تموت.
وما دامت الأبواب تُغلق، تبقى القلوب قادرة على أن تُفتح متى أرادت.

وربما كانت البداية بسيطة جدًّا:
تحية صادقة…
ابتسامة…
سؤال عابر عن الحال…

فأجمل العلاقات بدأت بخطوة صغيرة، والجيرة القديمة ربما لا تفصلنا عنها إلا خطوة واحدة… لو قررنا أن نخطوها.

    email this

0 comments:

إرسال تعليق

تعليقاتكم وملاحظاتكم تسرنا