
🏙️ تمدّنا فازدادت عيوبنا: قراءة في أثر التقدّم على قيمنا
حين يختلط التمدّن بالتحوّل القيمي
منذ سنوات، أصبح التمدن والتطور واقعًا لا يمكن تجاوزه. غيّرا نمط حياتنا، أسلوب تواصلنا، وحتى طريقة تفكيرنا. قد نحب هذا الواقع أو نرفضه، لكنه أصبح جزءًا من يومياتنا.
ورغم ما جلبه من رفاهية وسهولة، إلا أن الكثير من القيم والممارسات الأصيلة التي تربينا عليها بدأت تتراجع، لتحل محلها أنماط جديدة شوهت شيئًا من بساطة وجمال الماضي.
فهل التطور سلبٌ للفضيلة؟ أم أننا نحن من أضعنا التوازن بين التقدم المادي والقيم الإنسانية؟
الحداثة بين الاستخدام وسوء الاستخدام
لا شك أن الوسائل الحديثة فتحت آفاقًا واسعة للعلم والتواصل، لكنها في الوقت نفسه كشفت خفايا لم تكن لتظهر في الماضي. لم يعد هناك ما يسمى “السر”، وأصبحت تفاصيل الحياة الخاصة تُعرض على الملأ.
الخلل هنا لا يكمن في التقنية نفسها، بل في **سوء استخدامها** وغياب الوعي الأخلاقي الذي يوجّهها. فالتطور ليس عدوًا للقيم، لكنه يحتاج إلى وعي يحفظ التوازن بين الحداثة والهوية.
هل الإسلام ضد التمدّن؟
على العكس تمامًا، فالإسلام دين حضارة ورقيّ. دعا إلى العلم، وإعمار الأرض، وتحسين حياة الإنسان ماديًا ومعنويًا. المشكلة ليست في “التمدن” ذاته، بل في **الانقياد الأعمى** لكل ما يأتي من الغرب دون وعي أو تمحيص، حتى صار بعضنا يربط التقدّم بالتحلل الأخلاقي، وهو تصور مغلوط لا يمت للحقيقة بصلة.
تغييب العقل وصمت الضمير
من المؤسف أن يصبح المجتمع أكثر تساهلاً تجاه سلوكيات كانت تُستنكر سابقًا. لم يعد الاعتراض على الخطأ أو النصح بالحكمة حاضرًا كما كان، وكأننا فقدنا جزءًا من مسؤوليتنا الاجتماعية.
القضية ليست في رفض الحداثة، بل في كيفية التفاعل معها بوعي يحافظ على قيمنا ويمنع الانجرار وراء التقليد الأعمى.
حين تنعكس الأدوار
من المثير أن نرى بعض الدول الغربية — التي كانت تُتهم بالانحلال — تعيد النظر في منظوماتها الأخلاقية، وتبدأ بتقنين بعض السلوكيات التي أفرطت فيها سابقًا، بعدما رأت أثرها السلبي على الأسرة والمجتمع.
بينما في المقابل، بدأت بعض مجتمعاتنا تتبنى تلك الممارسات نفسها تحت شعار “الحرية والتطور”. وكأننا نسير عكس الاتجاه.
🚫 التقليد ليس حضارة
الحضارة لا تُقاس بالمظاهر، بل بالوعي. ما نراه من انبهار أعمى بكل ما يأتي من الغرب لا يعني تقدمًا، بل تراجعًا عن القيم التي ميّزتنا. التمدن الحقيقي هو أن نأخذ من العالم ما يفيدنا دون أن نفقد هويتنا في الطريق.
الخاتمة
التمدن سلاح ذو حدين. هو وسيلة للارتقاء بالإنسان لا لإفقاده هويته.
إذا أعدنا التوازن بين العلم والقيم، بين التقنية والضمير، سنجد أن الحضارة ليست خطرًا، بل فرصة لإحياء إنسانيتنا بطريقة أعمق وأجمل.