
غزة بين واقعٍ تُثبّته إسرائيل وسلامٍ يُدفن قبل أن يولد
في الوقت الذي تُظهر فيه إسرائيل موافقةً شكلية على وقف إطلاق النار، تعمل على تثبيت واقع جديد يطيل عمر الحرب ويُبقي نارها مشتعلة تحت الرماد. فبينما تُعلن عن “هجمات تستهدف قواتها داخل الخط الأصفر”، تواصل في الوقت ذاته تغذية رواية “نزع سلاح المقاومة”، وتعيد فتح ملف جثث الأسرى القتلى، بالتزامن مع بحثها عن المفقودين الثلاثة، لتعيد إنتاج خطاب الحرب وتستبقي مبررات استمرارها.
بهذه التحركات، لا تبدو إسرائيل مجرد طرفٍ ينتظر نهاية الجولة، بل فاعلًا يصنع بيئة أمنية مرتبكة ومضطربة عمدًا. مجموعات مسلّحة تُترك هويتها غامضة، عمليات أمنية تُنسب إلى مصادر مجهولة، وأجواء مشبعة بالضباب السياسي، بحيث يبدو أن المطلوب هو إبقاء غزة في حالة توتر دائم لا تعرف استقرارًا. فكلما اقترب الحديث عن التهدئة، عاد لعبث منسّق يعيد المشهد إلى نقطة الصفر.
وفي خلفية هذا المشهد المتشابك، تستمر الاغتيالات، وتُنسف المباني، وتُدمَّر البنى التحتية المتبقية، وكأن الحرب تُدار بنفَس طويل هدفه أن يظل القطاع ينزف بلا توقف. لم تعد الحرب مجرّد مواجهة عسكرية؛ بل تحوّلت إلى عملية استنزاف شاملة يراد لها أن تُفقد المجتمع قدرته على النهوض، وأن تبقيه في دائرة الإغاثة بدل التعافي، وفي انتظار المفاجآت بدل الاستقرار.
وهنا تظهر الأسئلة التي يحاول الجميع الهروب منها:
من يملك فعليًا القدرة على حماية وقف إطلاق النار؟
ومتى سيعرف إنسان غزة لحظة أمان حقيقية، يستعيد فيها ما تبقّى من روحه؟
ومتى يتوقف هذا الظلم الممتد الذي يخنق حياة الناس، ويطمر أحلامهم، ويمنعهم من أبسط حقوق البشر؟
هذه ليست مجرد أسئلة عابرة، بل صرخة إنسانية لمن يشاهد من بعيد…
علّه يرى الصورة كاملة، ويدرك أن ما يجري ليس صراعًا عابرًا، بل حياة تُسحق يومًا بعد يوم ببطءٍ مقصود.
0 comments:
إرسال تعليق
تعليقاتكم وملاحظاتكم تسرنا