
بين حظر الأفلام والمجتمع الواقعي: كيف نواجه ظاهرة المثلية الفكرية والسلوكية؟
عندما أعلنت بعض الدول العربية — منها السعودية والكويت وقطر — عن حظر عرض فيلم "الأبديون" (Eternals) من إنتاج شركة مارفل بسبب مشاهد تتعارض مع القيم الأخلاقية، لاقت تلك الخطوة ترحيبًا واسعًا بين الجماهير المحافظة.
لقد رآها كثيرون موقفًا يستحق الإشادة، لأنها تؤكد أن هناك خطوطًا حمراء تحمي المجتمع من الانحدار الثقافي الذي يحاول البعض فرضه تحت مسمى “الحرية الفنية”.
السينما والهوية الثقافية
في السنوات الأخيرة أصبحت السينما العالمية وسيلة قوية للتأثير الفكري والاجتماعي. فهي لا تكتفي بعرض قصص ترفيهية، بل تبثّ رسائل ضمنية تشجّع على أنماط حياة وقيم لا تتفق مع معتقدات المجتمعات العربية والإسلامية.
ومع أن الغرب يرى في هذه الطروحات حرية شخصية، فإنها تُعدّ في منطقتنا تجاوزًا للقيم الدينية والأعراف الأخلاقية. ومن هنا تأتي أهمية أن يكون للعالم العربي موقف واضح في ما يُعرض على شاشاته.
بين المثلي في الفيلم والمثلي في الواقع
حظر الفيلم خطوة مهمّة، لكنها تكشف أيضًا مفارقة مؤلمة:
كيف نمنع الرسائل الضارة على الشاشة، بينما نغفل عمّا يجري على أرض الواقع؟
ظاهرة المثلية — فكريًا وسلوكيًا — بدأت تجد طريقها إلى بعض المجتمعات العربية، ليس فقط عبر الأفلام، بل من خلال المنصات الرقمية ومؤثري السوشيال ميديا، الذين يُقدّم بعضهم محتوى يتعاطف مع تلك الأفكار أو يروّج لها بصورة غير مباشرة.
الأسباب العميقة للانتشار
ليس من العدل اختزال الظاهرة في "تأثير الغرب" فقط، فالأسباب متعددة، منها:
-
ضعف الوعي الأسري وغياب الرقابة الأبوية على ما يتابعه الأبناء.
-
تأثير المنصات الرقمية التي تروّج لمحتويات تمسّ الفطرة الطبيعية.
-
غياب التوجيه التربوي والديني المتوازن الذي يزرع في النشء القيم منذ الصغر.
-
الفراغ العاطفي والاجتماعي الذي يجعل بعض الشباب عرضة لتجارب منحرفة فكريًا أو سلوكيًا.
كيف نحمي الأجيال؟
الحماية لا تكون بالمنع فقط، بل بالتوعية والتربية والقدوة.
على الأسرة أن تتحمّل دورها الكامل في بناء حصانة فكرية داخل البيت،
وعلى المؤسسات التعليمية والإعلامية أن تقدّم محتوى يرسّخ القيم الفطرية.
كما يجب على المجتمع المدني والمؤثرين أن يشاركوا في تصحيح المفاهيم ونشر التوازن الفكري، لا الخطاب العدائي.
نحتاج إلى مشروع وطني شامل للتوعية، يدمج بين الدين والعلم، وبين الأخلاق والانفتاح المنضبط.
تجارب مجتمعية ناجحة
شهدنا في بعض الدول العربية حملات توعوية ناجحة ضد الانحرافات الفكرية والسلوكية،
مثل الحملة المجتمعية في الكويت التي نجحت في الحد من مظاهر الإسفاف الرقمي والتطبيع مع السلوكيات الشاذة.
هذه التجارب تثبت أن التكاتف الشعبي والرسمي هو الطريق الأقصر نحو الإصلاح والوقاية.
خاتمة
الاختبار الحقيقي للمجتمعات ليس في قدرتها على منع فيلم أو مشهد، بل في قدرتها على حماية قيمها من التآكل الداخلي.
فالمثلية الفكرية، التي تبرّر الانحراف وتجمّله، أخطر من أي محتوى بصري عابر.
إن بناء وعيٍ متوازنٍ يقوم على الإيمان والفطرة هو السلاح الأقوى لحماية الأجيال من كل ما يُشوّه إنسانيتهم ويبعدهم عن فطرتهم التي فطرهم الله عليها.
