
الشرق الأوسط بعد حرب الاثني عشر يوماً: قراءة إيرانية من الداخل
الصدمة الأولى: كيف تلقّى المجتمع الإيراني الاختراقات؟
سؤال: الاختراقات التي شاهدها العالم داخل إيران، كيف استقبلها المجتمع الإيراني؟
جواب: ما حدث كان صدمة شاملة. الحديث هنا عن فشل استخباراتي كبير وغير مسبوق في تاريخ إيران الحديث. ضُربت قيادات عسكرية وسياسية، وقواعد صواريخ ومنصات إطلاق، خلال ساعتين إلى ثلاث ساعات فقط. القيادات الرئيسية اغتيلت في منازلها أو مقراتها عند اللحظة صفر من الحرب. هذا الواقع لم يحاول أحد تبريره؛ السلطة والمجتمع أقرّا بأنه فشل واضح.
في اليوم الأول، كان الذهول هو العنوان. لا خطاب رسمي، فقط أخبار متتالية عن اغتيالات وضربات. المجتمع كان يسأل: ماذا يحدث؟ هل انتهت قدراتنا؟ هل ما زال لدينا ما نردّ به؟
الخديعة السياسية والفشل الاستخباراتي
سؤال: هل لعب السلوك الأمريكي دوراً في تعميق الصدمة؟
جواب: نعم. قبل ساعات من الهجوم، كان الخطاب الأمريكي يتحدث عن مفاوضات وجولة سادسة في عُمان، ثم وقع الهجوم. رُسّخت قناعة بأن ما جرى كان خديعة أمريكية–إسرائيلية. لكن هذا لا يبرر حجم الفشل الداخلي. الصدمة كانت مزدوجة: اختراق أمني واسع، وخداع سياسي في آن واحد.
التكيّف السريع: ما الذي شفع للنظام؟
سؤال: ما الذي غيّر المزاج العام بعد الصدمة؟
جواب: سرعة التكيّف. خلال ست ساعات أُعلن عن قيادات بديلة. وبعد نحو 17 ساعة جاء الرد الصاروخي الأول بأكثر من 200 صاروخ. ثم خرج المرشد الأعلى بخطاب طمأنة واضح، أكد فيه أن إيران سترد وتؤلم خصومها. هذا التسلسل – تعيين بدائل، رد عسكري، خطاب سياسي – أعاد شيئاً من الثقة.
تاريخياً، الضربات الصاعقة تشلّ الطرف المتلقي لفترة طويلة. ما حدث هنا كان مختلفاً: إيران خرجت من الصدمة خلال 24 ساعة تقريباً، وبدأت مرحلة جديدة من الصراع.
موازنة الردع: من الصدمة إلى المبادرة
سؤال: كيف تطورت المعركة في النصف الثاني من الحرب؟
جواب: في النصف الثاني، مالت موازنة الردع تدريجياً. إيران استخدمت صواريخ ثقيلة مثل «سجيل» و«خيبر شكن» برؤوس تدميرية كبيرة. في المقابل، تراجعت فعالية منظومات الدفاع الإسرائيلية مع استنزاف صواريخ الاعتراض، مثل «ثاد» و«مقلاع داود».
الضربات الإيرانية باتت أقل عدداً وأكثر دقة وتأثيراً. صاروخ واحد على حيفا في يوم متأخر من الحرب كان رسالة واضحة: منظوماتكم لم تعد تعمل كما في البداية.
الداخل الإيراني: الخوف، الخروج، ثم العودة
سؤال: كيف أثّرت دعوات إخلاء طهران على المجتمع؟
جواب: أثارت قلقاً واسعاً. البعض غادر العاصمة خوفاً من تصعيد أمريكي محتمل، خاصة مع صدور الدعوة من الرئيس الأمريكي. آخرون بقوا. حصل خروج جماعي تزامن أيضاً مع فترة إجازات دراسية. لاحقاً، ومع استقرار ميزان الردع، عاد معظم من غادروا.
الخسائر الإسرائيلية وسردية التكتيم
سؤال: ماذا عن الخسائر في إسرائيل؟
جواب: الأرقام المعلنة لا تعكس الواقع. في إسرائيل، هناك تكتيم قانوني صارم على الخسائر العسكرية. تجارب سابقة أظهرت أن الأرقام الحقيقية تُكشف بعد سنوات وتكون أعلى بكثير. التقارير الإسرائيلية اللاحقة تحدثت عن استهداف عشرات المواقع الحساسة، وهو ما ينسجم مع التقديرات الإيرانية.
قرار وقف إطلاق النار: لماذا الآن؟
سؤال: لماذا وافقت إيران على وقف إطلاق النار رغم تحسن موقعها؟
جواب: داخل المؤسسات الإيرانية كان هناك رأيان: عسكري يرى ضرورة الاستمرار لتعزيز الردع، وسياسي يرى ضرورة لملمة الجراح. الحرب أحدثت ارتباكاً اقتصادياً وحركة نزوح داخلي بالملايين. في النهاية، رُجّح خيار وقف النار، خاصة مع اشتراط إيران توجيه الضربة الأخيرة، وهو ما حدث.
هل شعرت إيران بأنها انتصرت؟
سؤال: هل خرج المجتمع الإيراني بشعور الانتصار؟
جواب: نعم، إلى حد كبير. السردية السائدة أن إيران لم تبدأ الحرب لكنها أنهتها بشروطها، ومنعت خصومها من تحقيق أهداف استراتيجية كبرى. هذه السردية تخفف من وقع الفشل الأولي، لكنها أيضاً تستند إلى واقع ميداني تمثل في قيام موازنة ردع حقيقية.
قصف «فوردو»: ضربة للكبرياء والبرنامج النووي
سؤال: كيف استُقبل قصف منشأة فوردو؟
جواب: كان هناك خوف من توسع الحرب، ثم تبلورت قراءتان: الأولى ترى القصف تصعيداً خطيراً، والثانية تراه محاولة لإنهاء الحرب. لاحقاً تبيّن أن البرنامج النووي تضرر فعلاً، وتوقف التخصيب في بعض المراحل. هذا شكّل ضربة لكبرياء وطني بُني على عقود من العمل.
في الوقت نفسه، هناك قناعة بأن المعرفة النووية توطنت، وأن ما تضرر يمكن إعادة بنائه، وإن كان الثمن كبيراً وسيظل حاضراً في أي مفاوضات مقبلة.
الثقة المفقودة والتفاوض المؤجل
سؤال: هل ما زال باب التفاوض مفتوحاً؟
جواب: نظرياً نعم، عملياً الثقة مفقودة. التفاوض بات يُنظر إليه كمسار قد يُستغل للهجوم لا للحل. الخطاب الداعي للتفاوض تراجع بشدة داخل المجتمع، من دون أن يبذل النظام جهداً كبيراً لإقناع الناس بذلك؛ الحرب نفسها فعلت ذلك.
قطر وقاعدة العديد: كيف رأت إيران الضربة؟
سؤال: كيف فُسرت ضربة قاعدة العديد في إيران؟
جواب: جرى الفصل بين قطر كدولة، والقاعدة الأمريكية كهدف عسكري. في القراءة الإيرانية، الضربة لم تكن موجهة لقطر، بل لوجود أمريكي شارك في الحرب. لاحقاً تبيّن أن هذه القراءة لم تكن دقيقة بالكامل، لكن جرى احتواء التداعيات سريعاً.
المحاسبة والاختراق: إنساني أم تقني؟
سؤال: أين تتجه أصابع الاتهام بعد الحرب؟
جواب: المحاسبة جارية، غالباً خلف الكواليس. أُعلن عن اعتقالات واسعة، بينها قضايا تجسس خطيرة وصلت إلى إعدام عالم نووي. لكن التركيز المفرط على «الجواسيس» يغفل حقيقة أن قسماً كبيراً من الاختراق كان تقنياً، قائماً على تفوق تكنولوجي ودعم أمريكي.
الهوية الإيرانية: الدين، القومية، والوطن
سؤال: هل تغيّر الخطاب الهوياتي بعد الحرب؟
جواب: الحرب أظهرت تعددية الهوية الإيرانية. الدين لم يختفِ، لكنه لم يعد وحده. البعد القومي والوطني عاد بقوة، واستُثمر رسمياً وشعبياً. في الأزمات، التقت التيارات المختلفة تحت عنوان الوطن، وهو ما أخطأت إسرائيل في تقديره عندما راهنت على انتفاضة داخلية.
إلى أين تتجه إيران؟
سؤال: ما الطريق الذي يراه المجتمع الإيراني للمستقبل؟
جواب: ليس بالضرورة الحرب، ولا التعويل على رفع العقوبات. العقوبات وصلت سقفها. الخيار الواقعي هو البناء على القدرات الذاتية، والتوجه شرقاً، مع تفضيل – نظري – لموازنة دولية لو كانت ممكنة. تجربة 2015 جعلت المجتمع أكثر حذراً من الوعود الغربية.\
خلاصة
حرب الاثني عشر يوماً شكّلت صدمة كبرى لإيران، لكنها أيضاً أعادت تشكيل معادلات الردع والهوية والسياسة الداخلية. بين فشل استخباراتي أولي، وتكيّف سريع، وموازنة رعب فرضت وقف النار، خرجت إيران بوعي مختلف: أقل ثقة بالغرب، أكثر اعتماداً على الذات، وأكثر إدراكاً لأهمية التماسك الداخلي في مواجهة التحديات المقبلة.




