
مستقبل العلاقة السعودية–الأميركية بعد زيارة محمد بن سلمان لترامب: قراءة سياسية نقدية وسيناريوهات للتطبيع
زيارة ليست عابرة
زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى البيت الأبيض لم تكن مجرد بروتوكول سياسي، بل كانت محطة تعيد رسم شكل التحالفات في الشرق الأوسط. وقع الزيارة لم يأتِ من التصريحات فقط، بل من “الملفات الثقيلة” التي حملتها الرياض إلى واشنطن، ومن الاستقبال اللافت الذي قدّمه ترامب،والذي بدا وكأنه يريد أن يبعث رسالة:
السعودية ليست مجرد حليف… بل شريك أول في الشرق الأوسط.
لكن خلف الكواليس، كان هناك ما هو أبعد من الصور والكلام الدبلوماسي.
لماذا يسعى ترامب لإحياء الشراكة مع السعودية بهذا الشكل؟
ترامب رجل صفقات قبل أي شيء. ومن منظور سياسي براغماتي، السعودية بالنسبة له:
1. مفتاح أساسي لتعزيز نفوذ أميركا في الخليج**
2. دولة قادرة على ضخ استثمارات ضخمة في الاقتصاد الأميركي
3. بوابة للعالم الإسلامي السنّي في مواجهة إيران وحلفائها
4. شريك يمكن الاعتماد عليه في سوق النفط والطاقة
لذلك كان طبيعيًا أن يُغدِق ترامب عبارات الإعجاب والمديح على ولي العهد، لأنها ليست عبارات احترام بروتوكولي، بل جزء من عملية “تطبيع سياسي” جديد بين واشنطن والرياض.
أجندة محمد بن سلمان… لماذا ذهب إلى ترامب تحديدًا؟
ولي العهد لم يذهب للولايات المتحدة كضيف، بل كطرف يبحث عن:
1. تحالف أمني أوضح وأقوى
السعودية تريد اتفاقًا دفاعيًا ثابتًا، يضمن أمنها في وقت يشهد الشرق الأوسط تحولات عسكرية حساسة.
2. نقل تكنولوجيا عسكرية متقدمة
مثل طائرات F-35، وتقنيات الدرع الجوي.
3. دعم للمشاريع الاقتصادية الضخمة
مشاريع رؤية 2030 تحتاج شركاء عالميين في التكنولوجيا، الذكاء الاصطناعي، والطاقة النووية.
4. ترتيب أوراق التطبيع مع إسرائيل
السعودية تعرف أن الملف الإسرائيلي–الفلسطيني يمر عبر البيت الأبيض مهما تغيّرت الإدارات.
إذن، الزيارة كانت مزيجًا من الأمن + الاقتصاد + السياسة + إعادة التموضع الدولي.
التطبيع مع إسرائيل… أين وصلت الأمور؟
السؤال الأكثر حساسية:
هل السعودية باتت على أبواب تطبيع كامل مع إسرائيل؟
الإجابة ليست بسيطة، لكنها تقوم على 3 مستويات:
المستوى الأول — الخطاب الرسمي السعودي
الرياض تقول بوضوح:
“لا تطبيع كامل دون مسار واضح نحو دولة فلسطينية.”
هذا الشرط ليس جديدًا، لكنه أصبح الآن ورقة تفاوض مهمة تستخدمها السعودية أمام الأميركيين.
المستوى الثاني — قراءة التحركات الأخيرة
هناك إشارات قوية إلى أن السعودية:
تريد تطبيعًا تدريجيًا وليس كاملًا
* تركز على التعاون الأمني والتكنولوجي مع إسرائيل أولًا
* ترغب بضمانات أميركية للفلسطينيين على الورق على الأقل
* تتحرك بحذر لأن التطبيع دون مقابل فلسطيني سيخلق ضغطًا عربيًا وشعبيًا هائلًا
لماذا تحتاج الرياض اليوم إلى صيغة تطبيع جديدة؟
لثلاثة أسباب:
1. توازن القوى مع إيران
2. الحصول على اتفاق دفاعي أميركي كبير
3. فتح باب الاستثمارات والتكنولوجيا الإسرائيلية–الأميركية
لكن السعودية لا تريد أن تظهر وكأنها تتخلى عن فلسطين… لذلك تلعب لعبة التوازن بعناية
هل تغيّر موقف السعودية من القضية الفلسطينية؟
الواقع يقول:
**نعم… ولكنه تغيّر “شكليًا” وليس “جوهرًا”.
كيف؟
ما تغيّر:
السعودية باتت تتعامل مع الملف الفلسطيني بمنطق “المصلحة الواقعية” وليس العاطفة العربية. الأولويات أصبحت تنمية، أمن، اقتصاد، وتقوية التحالفات الاستراتيجية.
ما لم يتغيّر:
السعودية ما زالت تعتبر الدولة الفلسطينية شرطًا تطبيعيًا.
ما زالت تقدم دعمًا ماليًا وسياسيًا للفلسطينيين.
ما زالت تدرك أن مكانتها الإسلامية مرتبطة بالقدس والمسجد الأقصى.
إذن التغير ليس تنازلًا، بل عادة ترتيب أولويات.
هل السعودية تبحث عن مصلحتها فقط؟ أم العروبة لا تزال موجودة؟
هذا سؤال تُثار حوله آراء كثيرة.
الرأي الأول — السعودية براغماتية بحتة
هذا التيار يرى أن الرياض تنظر إلى مصالحها أولًا:
أمن + اقتصاد + قوة إقليمية.
السعودية مرجع عربي لا يمكنه التخلي عن العروبة
هذا الجانب يشير إلى أن المملكة:
* ما تزال تدعم دولًا عربية كثيرة
* تتدخل لحل نزاعات
* توازن بين التطبيع والدعم المستمر للقضية الفلسطينية
* تتحمل مسؤولية دينية وسياسية كبرى تجاه مقدسات المسلمين
الحقيقة في الوسط:
السعودية اليوم دولة “عقلانية سياسية” لا عاطفية.
لكنها في الوقت نفسه لا تستطيع – ولا تريد – أن تتخلى عن دورها العربي والإسلامي.
أين تتجه العلاقة السعودية–الأميركية بعد الزيارة؟
هناك 3 سيناريوهات رئيسية:
السيناريو الأول — تحالف دفاعي كامل
اتفاق دفاعي شبيه بالناتو
تسليح متقدم
تعاون استخباراتي مفتوح
تموضع سعودي واضح ضد إيران
هذا السيناريو قوي لكنه يحتاج تنازلات سعودية في ملف التطبيع.
السيناريو الثاني — تحالف اقتصادي–أمني بدون اتفاق رسمي
الأكثر ترجيحًا.
يتضمن:
دعم أميركي ضخم لمشاريع السعودية
تعاون أمني قوي
تطبيع تدريجي غير معلن
السيناريو الثالث — تعثر بسبب الملف الفلسطيني
إذا رفضت إسرائيل تقديم أي ضمانات للفلسطينيين، ستتوقف الرياض وتكتفي بخطوات اقتصادية فقط، دون تطبيع سياسي كامل.
ماذا تعني هذه الزيارة للمنطقة العربية؟
1. السعودية تثبت نفسها كـ قوة مركزية تقود الإقليم.
2. واشنطن تضع الرياض في موقع “الشريك الأول” بدلاً من إسرائيل وحدها.
3. مستقبل التطبيع الخليجي سيتحدد بحسب ما ستفعله الرياض.
4. القضية الفلسطينية قد تدخل مرحلة “حلول وسط” إذا استطاعت السعودية أن تنتزع ضمانات حقيقية.
خلاصة نقدية:
زيارة الامير محمد بن سلمان إلى ترامب ليست زيارة عادية، بل إعادة رسم لمستقبل الشرق الأوسط.
السعودية تتحرك بذكاء بين:
مصالحها الكبرى
التزاماتها العربية
دورها الإسلامي
توازنها الاستراتيجي مع أميركا وإسرائيل
والنتيجة ستكون واضحة خلال العامين القادمين:
إما تطبيع مشروط يغيّر شكل المنطقة، أو استمرار الوضع الحالي بضغط متصاعد على الرياض وواشنطن.
0 comments:
إرسال تعليق
تعليقاتكم وملاحظاتكم تسرنا