الجمعة، 28 يناير 2022

Published يناير 28, 2022 by with 0 comment

الطائرات المسيّرة والوكلاء: تحليل لسياسة إيران الإقليمية ومؤشرات العجز الاستراتيجي

 

المسيرات وسيلة إيران في التعبير عن العجز

الطائرات المسيّرة والوكلاء: تحليل لسياسة إيران الإقليمية ومؤشرات العجز الاستراتيجي


مقدمة: المسيرات كأداة للصراع الإقليمي

شهدت المنطقة مؤخراً تصعيداً ملحوظاً في استخدام الهجمات بالطائرات المسيّرة والصواريخ، من محاولة استهداف رئيس الوزراء العراقي إلى الهجمات الأخيرة على منشآت حيوية في دولة الإمارات العربية المتحدة. يربط المراقبون بين هذه الأحداث خيطاً مشتركاً يتمثل في السياسة الإقليمية الإيرانية التي تعتمد على شبكة من الوكلاء في مناطق الصراع.

تتخذ هذه الدولة الإقليمية على عاتقها مهمة تأجيج الصراعات، مستخدمة خطاباً يوفر غطاءً لحماية مصالحها، لكن هدفها المعلن يتجاوز ذلك نحو تحقيق نفوذ استراتيجي إقليمي.

نموذج التدخل الإقليمي وأثره على الدول

عند تحليل الدول التي شهدت تدخلاً من قِبل قوى إقليمية معينة، نجد هناك أنماطاً مشتركة:

  • التشتت السياسي وغياب الهوية الوطنية: حيث يسيطر فصيل أو تيار معين على مفاصل الدولة، مما يؤدي إلى طمس الهوية الوطنية الجامعة وتهميش الرؤى الأخرى.

  • عزل المعارضة: يواجه كل صوت ينادي بالاستقلال عن النفوذ الإقليمي مصيراً صعباً.

  • استخدام التوترات الداخلية: عندما تخرج الأمور عن السيطرة، يتم اللجوء إلى سلاح التفرقة والتعصب لزيادة الصدامات الداخلية، مما يدفع المجتمع إلى الهاوية لصالح الطرف الذي يحقق مصالح النفوذ الخارجي.

تحديات العلاقة التاريخية والتعاطي مع الأجيال

إن الجوار الجغرافي بين دول الخليج وإيران يفرض وجود تحديات تاريخية وسياسية معقدة. إن هناك حاجة ملحة لبلدان المنطقة العربية للتركيز على الأجيال القادمة، وغرس الروح الوطنية القوية والهمة العالية، بعيداً عن بث اليأس أو التركيز على الماضي السلبي.

في المقابل، يدرك صناع القرار في طهران أهمية الاستثمار في الهوية والتعبئة الوطنية لأجيالهم، وهو ما يتطلب منا كعرب رفع مستوى الوعي الاستراتيجي وتبيان الأساليب المتبعة في رسم خريطة الصراعات الإقليمية.

مسرح اليمن: تحول الصراع إلى حرب وكلاء

حرب اليمن، التي كان مخططاً لها أن تنتهي بسرعة، اتخذت منحنى آخر بدخول قوى إقليمية في مستنقعها، مما زاد من دعم جماعة الحوثي. هذا الدعم اللامحدود بالأسلحة والخبراء أدى إلى تحول الصراع إلى حرب وكلاء بين قوى إقليمية متنافسة. وبما أن التحالف الداعم للشرعية يتكون أساساً من دول خليجية، أصبح دور الطرف المقابل (إيران) في هذا الصراع أكبر.

إن العلاقة بين إيران والحوثيين هي علاقة تبادل مصالح واضحة. فالحوثي يحقق لإيران النفوذ الجيوسياسي، بينما يحصل الحوثي على الدعم اللازم لبقائه. وهذا النموذج يتكرر مع فصائل أخرى في العراق ولبنان.

المسيرات مؤشر على العجز وليس القوة

عندما تشعر إيران بأن الأمور تخرج عن نطاق سيطرتها، أو تتعرض لهزائم ميدانية، فإنها تلجأ إلى تكتيكات المناورة العسكرية عبر وكلائها.

  • في العراق: جاء استهداف رئيس الوزراء بعد نتائج الانتخابات التي لم تخدم مصالح طهران، في محاولة لإرسال رسالة تحذيرية وإثارة القلاقل.

  • في الإمارات: جاء القصف الصاروخي والمسير بعد انتصارات مهمة لقوات مدعومة إقليمياً، مثل "ألوية العمالقة"، التي استعادت السيطرة على مناطق استراتيجية، مما يشير إلى أن الهجوم كان محاولة للتغطية على الإخفاقات في الميدان أو عقاباً على الدعم المقدم للخصوم.

إن استخدام المسيرات والصواريخ بعيدة المدى، وإن كان يمثل تصعيداً خطيراً، يمكن أن يُفسر كدليل على العجز عن مواجهة الخصوم مباشرة أو تحقيق نتائج سياسية عبر القنوات التقليدية، مما يجعلها أداة للاحتجاج والضغط.

اللبنانيون و"محور المقاومة" المزعوم

في لبنان، أدى دعم إيران لحزب الله إلى تعاظم قوة الحزب، ليصبح "دولة داخل دولة". هذا الوضع هو سبب رئيسي في ما يعيشه لبنان اليوم من انهيار اقتصادي واجتماعي، حيث أصبحت القرارات السياسية تخضع بشكل كبير لتأثير هذا الطرف.

حتى في غزة، نشهد انقساماً فلسطينياً واضحاً، حيث يرى بعض أنصار الحركات المسلحة في إيران الداعم الأقوى لهم، مما يدفعهم إلى تأييد وكلاء إيران في المنطقة، حتى لو كان ذلك يتعارض مع مصالح ومواقف الدول العربية التي قدمت دعماً مادياً وإنسانياً هائلاً للقضية الفلسطينية على مدار عقود.

إن الموقف الإيراني ثابت: تنديد بالردود عليها، ودعم للهجمات التي يقوم بها وكلاؤها، دون اكتراث واضح للضحايا المدنيين أو تدمير البنية التحتية في تلك البلدان. هذا التلاعب والتراخي في المفاوضات دليل على استراتيجية طويلة الأمد تهدف لزيادة النفوذ الإقليمي.

Read More
    email this