السبت، 8 يناير 2022

Published يناير 08, 2022 by with 0 comment

تحديات التطبيع: هل يمكن للمصالح الاقتصادية تجاوز التعقيدات الجيوسياسية والتاريخية؟

سيبقون لصوص رغم التطبيع

تحديات التطبيع: هل يمكن للمصالح الاقتصادية تجاوز التعقيدات الجيوسياسية والتاريخية؟


مقدمة: عصر التقارب تحت المجهر

شهدت الأعوام الماضية دخول العديد من الدول العربية في مرحلة جديدة من العلاقات مع إسرائيل، حيث تحول التبادل التجاري والزيارات المتبادلة والسياحة إلى أمر علني وغير مستغرب. وبغض النظر عن التقييمات المختلفة لهذا التطور الدبلوماسي، يبقى التطبيع في النهاية شأناً سيادياً لهذه الدول، وتجربة تخضع للتحليل والمتابعة لمعرفة مدى تأثيرها الفعلي على المنطقة.

لقد بدأت الوفود السياحية ورجال الأعمال الإسرائيليون بزيارة هذه الدول، وتوطدت العلاقات بشكل متسارع. ولكن بعيداً عن البروتوكولات الرسمية، تبرز تساؤلات جوهرية حول قدرة هذا التقارب السياسي والاقتصادي على تجاوز المشاكل الجيوسياسية العميقة والجراح التاريخية.


تباين الرؤى: السياسة الرسمية والواقع على الأرض

من أهم التحديات التي تواجه مسار التطبيع هو التناقض بين لغة التعاون الاقتصادي والموقف الميداني. فبينما يتم الحديث عن فتح صفحات جديدة ونشر أجواء من التسامح، تستمر قضايا التوسع والاستيطان التي تضرب بعرض الحائط العديد من الاتفاقيات والمواثيق الدولية.

هذا التباين يضع عبئاً كبيراً على أي محاولة لبناء الثقة طويلة الأمد. إن استمرار التوترات المرتبطة بقضايا الأمن، وحماية المقدسات، وحقوق الشعب الفلسطيني، يغذي شعوراً عاماً بعدم الاطمئنان، ويثبت أن التغير في السياسات العليا لم يتبعه تحول موازٍ في جوهر النزاع القائم على الأرض والعدالة التاريخية.


حوادث فردية وتساؤلات حول الخلفية الثقافية

في سياق الزيارات والسياحة، تم تداول تقارير عن وقوع بعض الحوادث الفردية التي تتعلق بمخالفات أمنية أو عمليات سرقة في فنادق ومطارات بعض الدول المطبّعة.

على الرغم من أن هذه التصرفات تبقى أفعالاً فردية لا يمكن تعميمها على مجتمع كامل، إلا أنها تثير تساؤلات هامة:

  • مدى جدية التقارب: هل هذه الحوادث مؤشر على غياب الاحترام للقوانين والأعراف في المجتمعات المضيفة؟

  • خلفية الانفصال: هل يعكس هذا النوع من السلوكيات الفردية فجوة ثقافية أو فكراً مجتمعياً لم يتأثر بعد بأجواء الانفتاح والتعاون المزعومة؟

هذه التصرفات، وإن كانت محدودة، تقوّض جهود الحكومات التي سعت إلى مد جسور التواصل، وتجعل الشعوب أكثر حذراً تجاه أي تقارب لا يرتكز على الاحترام المتبادل للقوانين والسيادة.


الرؤية الاستراتيجية: ما وراء المصلحة؟

من الواضح أن الدافع وراء السعي نحو التطبيع من الجانب الإسرائيلي هو في المقام الأول تحقيق مصالح اقتصادية وأمنية، والتحرر من العزلة الدولية المفروضة.

إن التحدي الذي يواجه الدول العربية هو كيفية تحقيق التوازن بين الاستفادة من الفرص الاقتصادية الجديدة وبين الحفاظ على المبادئ والقضايا الجوهرية. إن الاعتماد على أن التقارب الاقتصادي سيؤدي تلقائياً إلى حل القضايا السياسية المعقدة قد يكون رهاناً غير مضمون.

يجب على الأطراف العربية أن تدرك أن الحفاظ على المصالح العليا يتطلب التعامل بحذر شديد، والتمييز بين التعاون الاستراتيجي الذي يخدم المنطقة وبين التنازل عن الحقوق الأساسية. لقد اعتدنا في المنطقة العربية على التباين في المواقف، لكن من الضروري الآن التمييز بوضوح بين من يسعى للسلام المبني على الحق والعدل ومن يسعى لتحقيق أطماع توسعية على حساب الجار.

Read More
    email this

الثلاثاء، 4 يناير 2022

Published يناير 04, 2022 by with 0 comment

لماذا يصعب تكرار نموذج "كليفلاند كلينك أبوظبي" الصحي المتكامل في العالم العربي؟


لماذا  يصعب توفير مثل هذا المستشفى المتكامل  في الدول العربية ؟

لماذا يصعب تكرار نموذج "كليفلاند كلينك أبوظبي" الصحي المتكامل في العالم العربي؟



مقدمة: نموذج "كليفلاند كلينك أبوظبي" كوجهة علاجية عالمية

في رحلة البحث عن رعاية صحية موثوقة وممتازة، تبقى بعض المؤسسات علامة فارقة في الذهن. ومن بين هذه الصروح الطبية الحديثة، يبرز مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي الواقع في جزيرة الماريه، كقصة نجاح تستحق التأمل والدراسة. منذ افتتاحه، لم يكتفِ المستشفى بجلب خيرة الأطباء والطواقم الطبية الأكفاء من مختلف أنحاء العالم، بل وضع معياراً جديداً للرعاية الصحية الشاملة والمتميزة في المنطقة.


لما يصعب توفير مثل هذا المستشفى المتكامل  في الدول العربية ؟

التنوع والكفاءة: سر التميز الطبي والإداري

يتميز كليفلاند كلينك أبوظبي بتعدد أقسامه واختصاصاته، حيث يضم نخبة من الأطباء والجراحين المتخرجين من أعرق الجامعات العالمية. هؤلاء الكفاءات، الذين تركوا بصمات واضحة في مستشفيات مرموقة ببلدانهم، يمثلون قيمة مضافة للمرضى والمراجعين.

ورغم أن الاسم قد يوحي بأن الطاقم والإدارة أجانب بالكامل، إلا أن الواقع يكشف عن تنوع مذهل في الجنسيات، ما يشكل إثراءً حقيقياً:

  • تجد فيه الطبيب السوري، والممرضة المصرية، والأخصائي التونسي، والمعالج العراقي، إلى جانب العديد من الكفاءات العالمية.

  • وجود عدد كبير من أبناء الإمارات في مختلف الأقسام، مع هيمنة الكفاءات الإماراتية على المناصب الإدارية العليا، وهذا التوازن هو ما أضفى على المستشفى هذا التفرد والنجاح.

هذا التنوع اللغوي والثقافي يضمن سهولة التواصل؛ فالمراجع يستطيع التعبير عن حالته بالإنجليزية، العربية، الأوردية، الفرنسية، الألمانية، وغيرها، مما يزيل حاجز اللغة ويعزز راحة المريض.


لما يصعب توفير مثل هذا المستشفى المتكامل  في الدول العربية ؟

خدمات تفوق المعايير الفندقية: بيئة علاجية متكاملة

لا يقتصر التميز على الجانب الطبي، بل يمتد ليشمل تصميم مبنى المستشفى ومرافقه التي تضاهي، بل وتفوق، خدمات الفنادق العالمية ذات السبع نجوم. بدءاً من خدمة صف المركبات والمواقف الواسعة، وصولاً إلى المحلات التجارية التي توفر المأكولات والمشروبات والهدايا وخدمات العناية الشخصية، كل ذلك يهدف لتوفير تجربة مريحة ومتكاملة للمتعاملين.


لما يصعب توفير مثل هذا المستشفى المتكامل  في الدول العربية ؟

وإدراكاً لأهمية راحة الكادر، وفرت إدارة المستشفى بيئة عمل مثالية للطاقم الطبي والإداري، تشمل:

  • أماكن خاصة للراحة والاسترخاء وصالات لياقة بدنية.

  • مناصق هواء طلق ومنصات مطلة على البحر وكورنيش مصغر، مما يضمن تجديد طاقة الكادر.


الموقع الاستراتيجي وسلاسة الإجراءات

تم اختيار موقع المستشفى بعناية فائقة في جزيرة الماريه القريبة من جزيرة الريم، بإطلالة ساحرة على البحر. هذا الموقع، بالإضافة إلى تصميم الغرف الذي يوفر راحة نفسية للمرضى، يساهم في عملية الاستشفاء.

أما سير العمل، فيتسم بـ النظام واليسر المطلق؛ لا تعقيد في الإجراءات، ولا تأخير في المواعيد، ومصلحة المريض وذويه هي الأولوية القصوى. وقد أسهم هذا النظام الدقيق في عدم ورود أي شكاوى أو ملاحظات منذ الافتتاح، مما يؤكد على جودة الخدمة التي تفوق توقعات المراجع.



لما يصعب توفير مثل هذا المستشفى المتكامل  في الدول العربية ؟

الرؤية المستقبلية: لماذا يصعب تكرار هذا النموذج في الدول العربية؟

يعالج كليفلاند كلينك أبوظبي المرضى من مختلف الجنسيات والدول، سواء من الإمارات أو المقيمين فيها، أو زوار من دول عربية وإفريقية وأوروبية وأمريكية، ما يثبت عالمية المستشفى وعدم اقتصاره على شريحة معينة.

هنا يطرح السؤال الجوهري: لماذا يصعب توفير مثل هذا الصرح الطبي في باقي الدول العربية؟ وهل هذا الأمر مستحيل؟

الأمر ليس بالصعوبة المطلقة، خاصة وأن النموذج أصبح واقعاً ملموساً في دولة الإمارات. لكنه يتطلب أولاً وقبل كل شيء:

  1. رؤية قيادية واعية: عقل يفكر ويستطيع جلب مثل هذه المؤسسات الطبية العالمية.

  2. أشخاص يحملون "هم" المواطن: اهتمام حقيقي بالجانب الصحي للمواطنين والمقيمين باعتباره أهم ما يملك الإنسان.

إذا تم تخصيص جزء من الميزانيات المخصصة للمعدات الحربية والأسلحة لتطوير الأنظمة الصحية، يمكن لأغلب البلدان العربية إنشاء مؤسسات طبية بنفس الكفاءة. وهذا لن يوفر فقط رعاية صحية متقدمة، بل سيخلق فرص عمل ويكسب الكوادر المحلية خبرات هائلة بالاحتكاك مع الأطباء والإداريين العالميين الذين يملكون سنوات ضوئية من التطور في هذا المجال.

تخيلوا: مؤسسة طبية ضخمة في بلدان مثل سوريا والعراق واليمن، بطواقم محلية توجهها وتديرها كفاءات عالمية، تسير بنظام إداري يخلو من الفساد أو الاختلاسات، وتقدم العلاج للجميع دون تفريق أو عنصرية. هذه هي المنافسة الحقيقية التي يجب أن نسعى إليها.



 




Read More
    email this

الاثنين، 3 يناير 2022

Published يناير 03, 2022 by with 0 comment

"الغنى المؤجل": تحليل التحديات الاقتصادية والاجتماعية في سلطنة عمان

 

"الغنى المؤجل": تحليل التحديات الاقتصادية والاجتماعية في سلطنة عمان

 "الغنى المؤجل": تحليل التحديات الاقتصادية والاجتماعية في سلطنة عمان


تتمتع سلطنة عمان بمكانة فريدة كدولة خليجية ذات تاريخ عريق وإرث بحري يمتد عبر القارات. سياسياً، غالباً ما تثير سياسات السلطنة الاهتمام، حيث تتبع مساراً دبلوماسياً مستقلاً يرتكز على مبدأ "النأي بالنفس" ومحاولة لعب دور الوسيط الحكيم في نزاعات المنطقة، وهو نهج يكسبها احترام البعض، وقد يثير حفيظة البعض الآخر.

بعيداً عن السياسة، يبرز موضوع اقتصادي حيوي يحتاج إلى تحليل، وهو ما يمكن تسميته بـ "التناقض الاقتصادي العماني".


التناقض الاقتصادي: بلد غني ومواطنون في حاجة

منذ فترة، تظهر على السطح ملاحظات ومقاطع صوتية تعكس شكوى بعض المواطنين العمانيين من ضيق العيش وتحديات اقتصادية، مطالبين الحكومة بالنظر في أوضاعهم.

هنا يبرز التساؤل المنطقي: كيف يمكن لبلد خليجي يزخر بالخيرات والثروات الطبيعية أن يواجه قطاع من شعبه مثل هذه التحديات؟

قد يرى البعض أن هذه الحالات فردية ولا تمثل الشعب بأكمله، وأنها موجودة في كل بلد. هذا صحيح إلى حد ما، ولكن عندما يصبح هذا الصوت مسموعاً ومتكرراً في بلد يمتلك كل مقومات النجاح والتقدم، ويبلغ عدد سكانه رقماً يمكن استيعABه (حوالي 5.5 مليون نسمة)، يصبح من الضروري التوقف لتحليل الأسباب الجذرية لهذا التناقض. فأين تذهب عائدات تلك الخيرات؟


1. التحدي الأكبر: الفساد الإداري والمالي

أحد أهم المعوقات التي تواجهها أي دولة في طور النمو هو الفساد الإداري. لقد أدرك السلطان هيثم بن طارق هذا التحدي مبكراً وعمل على إصدار توجيهات صارمة لتجفيف منابعه.

لكن المشكلة تكمن في أن هذا الفساد قد يكون متجذراً في بعض مفاصل الدولة منذ سنوات طويلة. لذا، تتطلب مواجهته جهداً استثنائياً لا يقتصر على القوانين، بل يحتاج إلى تطبيقها بحزم على الجميع، دون مراعاة للمكانة أو المنصب، لضمان وصول الدعم لمستحقيه.


2. سوء توزيع الثروة والتباين الطبقي

النتيجة الطبيعية للفساد الإداري هي سوء توزيع الثروة. عندما تغيب آليات المحاسبة والرقابة المالية الفعالة (مثل نظام "من أين لك هذا؟")، ينشأ تباين طبقي واضح:

  • طبقة عليا: تتمتع بامتيازات خاصة ووضع مختلف عن باقي أفراد الشعب.

  • طبقة وسطى وكادحة: وهي الطبقة الأكبر التي تعمل بجد ومثابرة، ولكنها في الوقت نفسه تتحمل العبء الأكبر لأي متغيرات اقتصادية أو إصلاحات ضريبية.

إن صمت هذه الطبقة الوسطى أحياناً، خوفاً من فقدان المكتسبات، قد يمنح المستفيدين من الوضع الراهن دافعاً للاستمرار، مما يعمق الفجوة بدلاً من ردمها.


3. التعتيم البيروقراطي وغياب الشفافية

التحدي الثالث هو وجود "حاجز بيروقراطي" يمارسه بعض المتسلطين في المناصب الوسطى. هؤلاء قد يمنعون صوت المواطن الحقيقي وشكواه من الوصول إلى صانع القرار (السلطان وحكومته) الذي يسعى للإصلاح.

خشية هؤلاء المسؤولين من المساءلة قد تدفعهم إلى "تجميل" الواقع أو حتى مهاجمة أي صوت يخرج للمطالبة بحق أو رفع مظلمة، مما يؤدي إلى إخراس الأفواه التي تنطق بكلمة الحق، ويجعل الحلول دائماً قاصرة لأنها بُنيت على معطيات غير دقيقة.


4. الجمود الإداري واحتكار المناصب

من المشاكل المعقدة التي تعاني منها العديد من الإدارات الحكومية هي "الجمود الوظيفي". قد نجد مسؤولاً أمضى عقوداً في منصبه، يرفض التنحي أو التغيير خوفاً من ذهاب الامتيازات.

المشكلة الأكبر هي أنه حتى لو غادر المنصب، فإن أثره يبقى من خلال القوانين البالية والأنظمة التي وضعها. لذلك، يجب على الحكومات الذكية إشراك الشباب المتعلم والمتفتح في اتخاذ القرارات وتولي المناصب، لأنهم أبناء هذا الجيل ويدركون متغيراته، مع الاستفادة من أصحاب الخبرة كمستشارين.


خاتمة: أمل في الإصلاح بقيادة جديدة

برغم كل هذه التحديات، يبقى الأمل في التحسين والإصلاح قائماً بوجود السلطان هيثم. إن الشعب العماني يتأمل خيراً في قيادته الجديدة، وينتظر ترجمة هذه الرؤى الإصلاحية إلى واقع ملموس.

إن النهوض الحقيقي للدول والأمم لا يكون إلا بشعوبها، وليس بأصحاب الأرصدة والأفكار العقيمة. سلطنة عمان بلد غني، لكن تفعيل هذا الغنى لخدمة كل مواطن لا يزال "مع وقف التنفيذ"، بانتظار تذليل هذه العقبات الإدارية والاقتصادية العميقة.

Read More
    email this