
التحول الاجتماعي في سلطنة عمان: تحديات الحوار والمطالبة بالإصلاح
يُقال إن الحديث الذي يخرج من القلب يصل إليه. و هذا ما لامسناه عند متابعة نقاشات عمانية حرة عبر المنصات الرقمية، حيث لاحظنا الثقافة العالية والرقي في الحوار بين المتحاورين. ومع ذلك، لمسنا أيضاً عمق التحديات الاقتصادية والضغوط المعيشية التي يعيشها جزء من المجتمع.
إن عنوان نقاش مثل: "أين الحكومة؟ الشعب يتحدث والمسؤولون يتجاهلون" هو عنوان واقعي يعكس بداية تأزم الوضع الداخلي والحاجة الملحة لتدارك الأمور.
عُمان بلد غني جداً بتاريخه وثرواته وموارده البشرية الجبارة، وشعبه يتمتع بدرجة عالية من التعليم والوعي. ولكن، إن بدأ هذا الشعب المعروف بطيبته وصبره بالتعبير عن الانزعاج والضيق بهذه الطريقة، فهذا مؤشر على ضرورة عدم إغفال التحديات المعيشية المتراكمة.
1. الثقافة العمانية: رقي الحوار وطول الأناة
يتميز المجتمع العماني بطبيعته الهادئة وقدرته على تحمل الصعاب، وهو يوصف غالباً بأنه الأهدأ بين دول الخليج العربي. لكن هذا الصبر الطويل بدأ يقابله انقسام في طريقة التعامل مع واقع التنمية والفساد الإداري. يمكن تقسيم استجابة المجتمع إلى أربعة مسارات رئيسية:
المطالبون بالحقوق والملتزمون: وهم الغالبية الملتزمة بأمن البلد، لكنهم يعانون من سلب حقوقهم أو تأخرها بسبب الفساد الإداري. يكتفي هؤلاء بالتعبير في المجالس الخاصة، ويخشون التصعيد القانوني، وغالباً ما ترضيهم المسكنات اللحظية كقرارات التوظيف الجزئية أو "المنفعات الاجتماعية" الزهيدة.
الممجدون والمنافحون: وهم فئة تمجد في المسؤولين وتضخم من الإنجازات الصغيرة، بهدف الحصول على مكاسب شخصية سريعة. دورهم غالبًا ما يكون تزييف الحقائق وإيهام المراقب الخارجي بأن الأوضاع مستقرة تماماً.
المستفيدون من الامتيازات: فئة لديها وضع خاص يعيشون حياة أفضل بكثير، وينقسمون إلى:
أصحاب النفوذ الاجتماعي والتاريخي: فئة تنتمي إلى تيارات أو مناطق لها نفوذ تاريخي، تحصل على تسهيلات خاصة وتعتبر صاحبة صوت مسموع في مجرى الأحداث.
المقربون من دوائر القرار: وهم المقربون من الوزراء وذويهم، الذين تتغاضى عنهم بعض الإجراءات القانونية والإدارية، مما يسبب مشاعر الغل والقهر بين صفوف المستضعفين.
المعترضون الساعون للتغيير: وهم من يرفعون رايات المطالبة بالإصلاح، ويقيمون جزء منهم داخل السلطنة ويتحملون قسوة ردود الفعل الرسمية كالتضييق والمنع. بينما يختار جزء آخر الهجرة، ينقسم هذا الجزء إلى من يسعى للتغيير الشامل مع الحفاظ على هيبة رأس الدولة، ومن يتخذ من الهروب فرصة للانتقام عبر محاولات تشويه السمعة ونشر الفتنة.
2. الحاجة لجسور الثقة: ضعف قنوات التواصل
إن حالة الاحتقان الداخلي والضيق الذي يعيشه المواطن العماني سببها الرئيسي هو عدم استماع المسؤولين وأصحاب القرار للأصوات المطالبة بالإصلاح والحقوق المشروعة.
وحتى نكون منصفين، هناك مؤشرات على خوف من نهوض شعبي، تظهر في الإجراءات المشددة التي يتم اتخاذها تجاه أي وقفات احتجاجية للمطالبة بالحقوق الأساسية (كالرواتب، السكن، القروض، حرية الرأي والتعبير). هذه الإجراءات تضاعف الشعور بالظلم، خاصة في بلد كعُمان، شعبها هادئ بطبعه وغير عدائي.
3. نحو معارضة إيجابية: من النقد إلى الحلول
نوجه نداء إلى كل معترض في عُمان على واقع البلد، بضرورة تدارك الجوانب السلبية في معارضتهم لتصبح إيجابية ومؤثرة، ولا تقتصر على مجرد "فضفضات" على منصات التواصل.
من الأشياء السلبية التي لوحظت:
غياب الرؤية الواضحة: الكثير يتحدث ويعبر، لكنه لا يضع حلولاً قابلة للتطبيق أو خطة لانتشال البلد من هذا المستنقع الإداري.
فقر الإبداع في إيصال الصوت: ما زالت الأفكار حبيسة الجوالات ومواقع التواصل. لا توجد آليات فعالة ومبتكرة لإيصال صوت الشعب لولي الأمر أو لعموم الشعب.
الخلاصة:
إن الكلام والتنظير والصراخ لا ينفع، بل يضر ويخلق مساحة للتصادم والمواجهة. أما الهدوء وطرح الأفكار المرتبة ذات الفائدة العظيمة والنتائج الحسنة، فهو الطريق الصحيح لتغيير الأحوال وتجاوز مرحلة الطموح إلى تحقيق الإنجاز.