بحثاً عن الشهرة بأي ثمن: ظاهرة "صُنّاع التفاهة" على منصات التواصل
مقدمة: الشهرة الشائنة وإرث الأعرابي
روى الإمام ابن الجوزي حادثة غريبة حدثت أثناء الحج، حيث قام أعرابي بفعل شنيع ومستهجن في بئر زمزم أمام الطائفين. وعندما سُئل عن دافعه لذلك، أجاب بكل بساطة: "حتى يعرفني الناس، يقولون: هذا فلان الذي فعل كذا وكذا!".
مع أن فعل هذا الأحمق قد سطّر اسمه في التاريخ كرمز للسخافة والجرأة غير المسؤولة، إلا أن دافعه كان واضحاً: الحرص الشديد على بلوغ الشهرة، حتى لو كانت شهرة سلبية أو شائنة.
ظاهرة "صُنّاع التفاهة" في العصر الرقمي
في وقتنا الحاضر، تتجسد روح هذا الأعرابي في ظاهرة واسعة النطاق على منصات التواصل الاجتماعي. لقد تحولت الشهرة إلى هدف مقدس لدى البعض، يتم السعي إليه بشتى الطرق التي تخالف الأعراف والقيم.
نجد اليوم فئات تسعى إلى تحقيق "المجد الرقمي" عبر سلوكيات تُصنف كـ "محتوى رخيص"، ومنها:
من يسعى للشهرة بقدر ما ينشر من خوف أو ترويع للآخرين.
من يسعى لها بقدر ما يفسد وينتهك من الأخلاق والعادات المجتمعية.
من يلهو ويلعب بالموارد والنعم، أو يتبجح بالتبذير.
من يقدم محتوى يعتمد على التعري أو الكشف المفرط عن الجسد لجذب الانتباه.
هؤلاء هم مشاهير اللحظة الزائلة الذين يعتمدون على الصدمة لتحقيق الانتشار.
التأثير السلبي على القيم والمجتمع
للأسف، لا يقتصر تأثير هؤلاء المؤثرين على أنفسهم، بل يمتد ليصبح وباء اجتماعياً ينخر في الوعي العام. كثير من أبنائنا وبناتنا، وحتى بعض الكهول، يتأثرون بهم ويتابعون "جديدهم"، بل قد يتخذون منهم قدوات، ظناً منهم أن الشهرة تستحق التضحية بالقيمة والأخلاق.
إن هذا النوع من المحتوى يسعى إلى تلويث الفضاء الرقمي المشترك الذي نعتمد عليه في حياتنا اليومية والتواصل البنّاء. لقد أصبحت المنصات الاجتماعية ساحة اختبار لقيمنا ومبادئنا.
دعوة للمتابعة الواعية
إن الواجب علينا كمستخدمين هو التمييز بين المحتوى الهادف والمحتوى الذي لا يضيف إلا التفاهة والصدمة. فكما أننا نحرص على نقاء مصادر المياه والهواء، يجب علينا أن نحرص على نقاء المحتوى الذي نستقبله ونشاركه.
نتمنى أن يتجه مجتمع المؤثرين نحو تقديم محتوى إيجابي وبنّاء يخدم الصالح العام، ويستبدل البحث عن الشهرة الشائنة بالبحث عن المجد القيمي والإنساني الحقيقي.