السبت، 27 مايو 2023

Published مايو 27, 2023 by with 0 comment

هل أرضى بالظلم؟ قراءة في ضعفنا الجماعي وسبل الاستعادة

 

إن كنت مسلما أو عربيا فلترض بالظلم ولا تعترض

هل أرضى بالظلم؟ قراءة في ضعفنا الجماعي وسبل الاستعادة





الحرية قيمة أصيلة يولد بها الإنسان، ولا ينبغي أن تُستبدل بالرضوخ للظلم أو الاستسلام أمام الضغوط. لكننا اليوم نواجه ظاهرة مقلقة: ضعف جماعي في مواجهة ما يمس ثوابتنا وهويتنا. هذا الضعف لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج تراكمات تاريخية واجتماعية وسياسية.

منذ عهد الاستعمار وما تلاه من تأثيرات، دخلت دولنا في دوامة تغيّر عميق. المقاومة ضد الاحتلال والتحرّر أعقباها موجات تأثير أدت إلى تغيير مناهج تربوية وثقافية، وأضعفت مناعة مجتمعاتٍ كانت أقرب إلى ثوابتها. وأحيانًا، بدت بعض الأنظمة والجهات المحلية أكثر حرصًا على مصالحها الضيقة من حرصها على المصلحة العامة، ما سهّل استغلال الخارج لهذه الفجوات.

أحد أشدَّ الأضرار هو تدخل القوى الخارجية في تفاصيل الحياة الداخلية: سياسات تعليمية وثقافية تُعزل قيم الاعتزاز بالهوية أو تُستبدل بمضامين تُروّج للانفتاح بلا ضوابط. هذا لا يعني رفض كل جديد، فالتطور واجبٌ مطلوب، لكنه يتطلب وعيًا ومعايير تحفظ الهوية وتمنع التفكك الاجتماعي.

كما أن هناك دورًا مؤذيًا يلعبه بعض الأطراف الداخلية المتماهية مع مصالح خارجية: أولئك الذين يغازلون القوى الكبرى مقابل مكاسب مؤقتة يقدمون صورة منقسمة ومشتتة عن الأمة. مثل هذه المواقف تُضعف القدرة على التحالف وبناء إستراتيجيات مشتركة في مواجهة الضغوط الإقليمية والدولية.

في السياق المعاصر، برزت دول إقليمية تحاول استعادة دورها وتأمين مصالح شعوبها عبر سياسات مستقلة. هذا يدعو إلى التفاؤل، لكنه أيضًا يضع أمامنا تحديًا: كيف نُعزز وعي المجتمع ونبني مؤسسات قادرة على حماية الحقوق والمقدسات بدون الخضوع للمزايدات الخارجية؟

الإجابة تبدأ من الداخل: إصلاح مناهج التعليم، تقوية الخطاب الديني الوسطي الذي يدعو إلى العمل والبناء، تحفيز المجتمع المدني على المشاركة الفاعلة، وتعزيز الشراكات الاقتصادية والسياسية على أساس مصلحة وطنية حقيقية. كما أن استعادة الكرامة الجماعية تتطلب قيادة حكيمة تتعامل بذكاء دبلوماسي وتوازن بين الدفاع عن السيادة والانفتاح المسؤول.

الخوف من العقاب الخارجي والإكراه النفسي الذي يثنيه بعض القادة والشعوب ليس سوى تكتيك يستخدمه من يريد إبقاؤنا ضعفاء. تاريخ الأمة يعلمنا أن الشجاعة الجماعية والوحدة قادران على قلب المعادلات إذا صاحبهما تخطيط سليم وإدارة حكيمة للمصالح.

في الختام، الحرية لا تُمنح بالرضوخ ولا تُقوى بالاحباط. على الشعوب والقادة معًا أن يعيدوا ترتيب أولوياتهم لصالح المصلحة العامة، وأن يجعلوا الخشية الأولى هي خشية الله، أما خشية البشر فستزول بما يملأه الإيمان والعمل والوفاء بالواجبات الوطنية.

Read More
    email this

الثلاثاء، 23 مايو 2023

Published مايو 23, 2023 by with 0 comment

الثراء المفاجئ وغسيل الأموال: كيف تُبنى الثروات المشبوهة؟


غسيل الأموال والثروات المفاجئة المتزايدة

 الثراء المفاجئ وغسيل الأموال: كيف تُبنى الثروات المشبوهة؟

يشهد مجتمعنا في السنوات الأخيرة ظاهرة مقلقة تتمثل في "الثراء الفاحش المفاجئ". تكسر هذه الظاهرة القاعدة المتعارف عليها بأن تكوين الثروات يتطلب سنوات طويلة من الجهد والعمل والمثابرة. فجأة، نرى أشخاصاً كانوا من محدودي أو معدومي الدخل يمتلكون أرصدة بالملايين وممتلكات لا حصر لها، وينتقلون من حال إلى حال بين ليلة وضحاها.

يثير هذا التحول السريع تساؤلات ملحة: كيف يحصل شخص مجهول على هذه الثروات دون جهد أو إرث؟ وكيف يتوسع صاحب محل صغير ليصبح اسماً تجارياً ضخماً بهذه السرعة؟ وكيف يكوّن "المشاهير" الجدد سلاسل من المطاعم والمحلات وهم لم يكونوا يملكون شيئاً في بداياتهم؟


ما هو غسيل الأموال وكيف يعمل؟

غسيل الأموال هو باختصار، عملية احتيالية تهدف إلى إخفاء المصدر غير المشروع للأموال (كتجارة الممنوعات، المخدرات، الاتجار بالبشر، وغيرها) وجعلها تبدو كأنها أرباح مكتسبة من مصادر مشروعة.

وقد وجد الباحثون عن الثراء السريع في هذه الجريمة وسيلة لتحقيق أهدافهم، مستغلين ما وصفه الكاتب بـ "التهاون أو الغفلة" من الجهات الرقابية. وتتخذ هذه الجريمة أشكالاً متعددة:

  1. التستر التجاري: يتم عبر استقطاب "تجار أجانب" برؤوس أموال ضخمة. يبهر هؤلاء الجميع بحجم استثماراتهم، ويستخدمون العطايا لكسب الثقة وشراء الذمم.

  2. الواجهات التجارية: يبدأ هؤلاء بإنشاء أنشطة تجارية (كمحلات أو مطاعم)، ويقدمون عروضاً وتخفيضات غير منطقية تجارياً لجذب الناس. الهدف ليس الربح المشروع، بل "خلط" الأموال القذرة مع الإيرادات النظيفة. ومن أشهر الحيل المستخدمة، بيع وشراء سلع (خاصة قصيرة الصلاحية) بأسعار زهيدة جداً لتمرير مبالغ ضخمة.

  3. الغسيل الرقمي (مشاهير التواصل): يُعتبر هذا الوجه الأحدث والأخطر. أصبحت تطبيقات مثل "تيك توك" ساحة لهذه الممارسات. يتساءل الكاتب: كيف يمكن لشخص، قد يكون عاطلاً عن العمل أو مراهقاً، أن يجمع الملايين من بث مباشر واحد عبر "جولات الدعم"؟ وكيف يستطيع الداعمون إرسال هدايا باهظة تصل قيمتها لمئات الدولارات بهذه السهولة؟

الآلية المشتبه بها هنا هي استخدام الأموال غير المشروعة لشراء "هدايا" الدعم وإرسالها إلى المشهور (الذي قد يكون متواطئاً)، وبذلك تتحول الأموال القذرة إلى دخل "شرعي" في حساب المشهور.


مقارنة بين ثروات الأمس واليوم


  • أثرياء الماضي: كانت ثرواتهم محدودة ومعروفة المصدر (أراضٍ، مزارع، سفن). كان مدخولهم يحدد مكانتهم، وكانوا معروفين بالكرم الظاهر وأعمال الخير الخفية. كان خيرهم يشمل الجميع، ويفتحون مجالسهم للفقراء والمحتاجين، مما قلل الفقر في المجتمع.

  • أثرياء الحاضر (المشبوهون): يركز المقال على فئة من الأثرياء الجدد الذين يجمعون الأموال بهدف الجمع فقط. أموالهم "مسجونة" في البنوك لا نفع للمجتمع منها، وحتى زكاتهم وصدقاتهم (إن أخرجوها) توجَّه لأشخاص معينين قد لا يكونون من المستحقين.


الحلول المقترحة لمواجهة الظاهرة

لمواجهة هذه "الآفة الجديدة" التي تدمر الاقتصاد وتزيد الفجوة الطبقية، يقترح المقال ثلاثة حلول أساسية:

  1. الكشف والتعرية: ضرورة فضح هؤلاء المتورطين وعدم منحهم الفرص، حتى لا يصبحوا قدوة للآخرين، ويتحول المجتمع إلى طبقتين: واحدة فاحشة الثراء والأخرى تكافح من أجل لقمة العيش.

  2. التوعية المجتمعية: بناء مجتمع واعٍ يعرف حقوقه وواجباته، ويحارب الظواهر السلبية، ويرفض تمكين من يمارسونها.

  3. إيقاف الدعم والمتابعة: مقاطعة "التافهين" على برامج التواصل الاجتماعي الذين يعتمدون بشكل أساسي على المتابعين لجمع الثروات المشبوهة. ضغط المتابعين ومقاطعتهم قد يجبر القائمين على هذه التطبيقات على تغيير سياساتهم.


خاتمة

يخلص المقال إلى أن غسيل الأموال آفة خفية ومدمرة، تأثيرها مباشر وشامل. ورغم أن المنتفعين منها يحققون مكاسب سريعة في البداية، إلا أن هذه الأموال ستكون وبالاً وهلاكاً عليهم في النهاية، وستخسر المجتمعات والأوطان بسببها.


Read More
    email this