


يشهد مجتمعنا في السنوات الأخيرة ظاهرة مقلقة تتمثل في "الثراء الفاحش المفاجئ". تكسر هذه الظاهرة القاعدة المتعارف عليها بأن تكوين الثروات يتطلب سنوات طويلة من الجهد والعمل والمثابرة. فجأة، نرى أشخاصاً كانوا من محدودي أو معدومي الدخل يمتلكون أرصدة بالملايين وممتلكات لا حصر لها، وينتقلون من حال إلى حال بين ليلة وضحاها.
يثير هذا التحول السريع تساؤلات ملحة: كيف يحصل شخص مجهول على هذه الثروات دون جهد أو إرث؟ وكيف يتوسع صاحب محل صغير ليصبح اسماً تجارياً ضخماً بهذه السرعة؟ وكيف يكوّن "المشاهير" الجدد سلاسل من المطاعم والمحلات وهم لم يكونوا يملكون شيئاً في بداياتهم؟
غسيل الأموال هو باختصار، عملية احتيالية تهدف إلى إخفاء المصدر غير المشروع للأموال (كتجارة الممنوعات، المخدرات، الاتجار بالبشر، وغيرها) وجعلها تبدو كأنها أرباح مكتسبة من مصادر مشروعة.
وقد وجد الباحثون عن الثراء السريع في هذه الجريمة وسيلة لتحقيق أهدافهم، مستغلين ما وصفه الكاتب بـ "التهاون أو الغفلة" من الجهات الرقابية. وتتخذ هذه الجريمة أشكالاً متعددة:
التستر التجاري: يتم عبر استقطاب "تجار أجانب" برؤوس أموال ضخمة. يبهر هؤلاء الجميع بحجم استثماراتهم، ويستخدمون العطايا لكسب الثقة وشراء الذمم.
الواجهات التجارية: يبدأ هؤلاء بإنشاء أنشطة تجارية (كمحلات أو مطاعم)، ويقدمون عروضاً وتخفيضات غير منطقية تجارياً لجذب الناس. الهدف ليس الربح المشروع، بل "خلط" الأموال القذرة مع الإيرادات النظيفة. ومن أشهر الحيل المستخدمة، بيع وشراء سلع (خاصة قصيرة الصلاحية) بأسعار زهيدة جداً لتمرير مبالغ ضخمة.
الغسيل الرقمي (مشاهير التواصل): يُعتبر هذا الوجه الأحدث والأخطر. أصبحت تطبيقات مثل "تيك توك" ساحة لهذه الممارسات. يتساءل الكاتب: كيف يمكن لشخص، قد يكون عاطلاً عن العمل أو مراهقاً، أن يجمع الملايين من بث مباشر واحد عبر "جولات الدعم"؟ وكيف يستطيع الداعمون إرسال هدايا باهظة تصل قيمتها لمئات الدولارات بهذه السهولة؟
الآلية المشتبه بها هنا هي استخدام الأموال غير المشروعة لشراء "هدايا" الدعم وإرسالها إلى المشهور (الذي قد يكون متواطئاً)، وبذلك تتحول الأموال القذرة إلى دخل "شرعي" في حساب المشهور.
أثرياء الماضي: كانت ثرواتهم محدودة ومعروفة المصدر (أراضٍ، مزارع، سفن). كان مدخولهم يحدد مكانتهم، وكانوا معروفين بالكرم الظاهر وأعمال الخير الخفية. كان خيرهم يشمل الجميع، ويفتحون مجالسهم للفقراء والمحتاجين، مما قلل الفقر في المجتمع.
أثرياء الحاضر (المشبوهون): يركز المقال على فئة من الأثرياء الجدد الذين يجمعون الأموال بهدف الجمع فقط. أموالهم "مسجونة" في البنوك لا نفع للمجتمع منها، وحتى زكاتهم وصدقاتهم (إن أخرجوها) توجَّه لأشخاص معينين قد لا يكونون من المستحقين.
لمواجهة هذه "الآفة الجديدة" التي تدمر الاقتصاد وتزيد الفجوة الطبقية، يقترح المقال ثلاثة حلول أساسية:
الكشف والتعرية: ضرورة فضح هؤلاء المتورطين وعدم منحهم الفرص، حتى لا يصبحوا قدوة للآخرين، ويتحول المجتمع إلى طبقتين: واحدة فاحشة الثراء والأخرى تكافح من أجل لقمة العيش.
التوعية المجتمعية: بناء مجتمع واعٍ يعرف حقوقه وواجباته، ويحارب الظواهر السلبية، ويرفض تمكين من يمارسونها.
إيقاف الدعم والمتابعة: مقاطعة "التافهين" على برامج التواصل الاجتماعي الذين يعتمدون بشكل أساسي على المتابعين لجمع الثروات المشبوهة. ضغط المتابعين ومقاطعتهم قد يجبر القائمين على هذه التطبيقات على تغيير سياساتهم.
يخلص المقال إلى أن غسيل الأموال آفة خفية ومدمرة، تأثيرها مباشر وشامل. ورغم أن المنتفعين منها يحققون مكاسب سريعة في البداية، إلا أن هذه الأموال ستكون وبالاً وهلاكاً عليهم في النهاية، وستخسر المجتمعات والأوطان بسببها.