
مهدي باكستان.. ظاهرة تثير الجدل في بلد التناقضات
تُعد باكستان من أكثر الدول الإسلامية تنوعًا في الأعراق واللغات والعادات الاجتماعية، وهذا التنوع انعكس بوضوح على ملامح المجتمع وتكوينه الفكري والمعيشي. فمن يتابع أخبار هذا البلد العجيب يدرك أنه لا يكاد يمر يوم من دون وقوع حادثة لافتة أو قضية مثيرة للجدل، وكأن هذا البلد يعيش على إيقاع أحداث متلاحقة لا تنتهي.
قد يكون السبب في ذلك هو الوضع الأمني الداخلي المضطرب، إلى جانب ضعف تأثير المؤسسات الدينية والاجتماعية في التوجيه والإصلاح، على الرغم من وجود علماء أجلّاء وأصحاب رأي سديد. كما لا يمكن إغفال الفساد الإداري والمالي الذي أنهك مؤسسات الدولة، إضافةً إلى طبيعة المجتمع القاسية والعادات القبلية المتوارثة التي ما زالت تتحكم في تفاصيل الحياة اليومية، خصوصًا في قضايا الزواج والشرف والعقاب. كل هذه العوامل مهّدت الطريق أمام ظواهر غريبة تظهر بين الحين والآخر، كان آخرها ما يُعرف إعلاميًا بـ "مهدي باكستان".
قصة محمد قاسم.. الرجل الذي ادّعى الرؤى
محمد قاسم، مواطن باكستاني عادي ظهر فجأة في المشهد العام، وبدأ يتحدث إلى الناس مدّعيًا أنه يرى رؤى وأحلامًا تتعلق بأحداث عالمية ومحلية، بعضها تحقق — حسب قوله — وبعضها ما زال ينتظر وقوعه. ومع مرور الوقت، أخذ يوحي لمتابعيه — بطريقة غير مباشرة — بأنه المهدي المنتظر المذكور في الأحاديث النبوية، دون أن يصرح بذلك علنًا.
روّج الرجل لنفسه بذكاء، مستخدمًا وسائل الإعلام الحديثة ومنصات التواصل الاجتماعي التي ساعدته على الانتشار السريع. ومع كثرة متابعيه، بدأ البعض يُصدق رواياته، بينما اعتبره آخرون مجرد راوٍ للأحلام والمبالغات.
لماذا صدّقه الناس؟
يرجع انتشار فكر محمد قاسم إلى عدة عوامل:
-
ضعف الوعي الديني العام لدى فئات كبيرة من الناس في القرى والمدن الصغيرة.
-
غياب دور حازم من السلطات في التصدي لمثل هذه الدعاوى قبل أن تتفاقم.
-
استغلال وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت من أي فكرة قابلة للانتشار الفوري.
-
الفراغ الروحي لدى الشباب الذي يبحث عن أمل أو مخلّص في ظل الأزمات المتكررة.
وبمرور الوقت، صار لمحمد قاسم أتباع يدافعون عنه بشدة، وينتظرون أحلامه الجديدة، ويتعاملون معها كحقائق، مما أثار قلق العلماء والدعاة الذين حاولوا تنبيه الناس إلى خطورة الانسياق خلف مثل هذه الادعاءات.
موقف العلماء والمؤسسات الدينية
تأخرت المؤسسات الدينية في التصدي لهذه الظاهرة، إما بسبب الخشية من تضخيمها إعلاميًا أو بسبب القيود الرسمية التي تحدّ من تحرك العلماء بحرية. ومع ذلك، ظهرت أصوات علمية ناضجة حذرت من خطورة تصديق مثل هذه الدعاوى، وذكّرت الناس بأن الإيمان بالغيب لا يعني تصديق كل من يروي رؤيا أو حلمًا.
المهدي الحقيقي بين النصوص والدجل
الأحاديث الصحيحة التي وردت عن النبي ﷺ تثبت أن المهدي المنتظر سيظهر في آخر الزمان بأمر من الله تعالى، وليس بناءً على رؤى أو أحلام. فقد قال رسول الله ﷺ:
«لا تقوم الساعة حتى يملك الناس رجلٌ من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، فيملؤها قسطًا وعدلًا كما مُلئت جورًا وظلمًا»
هذا الحديث الصحيح وحده كافٍ لبيان أن المهدي لا يُعرف إلا حين يأذن الله بظهوره، وأن ادعاء أي شخصٍ لهذا اللقب أو الإيحاء به ضربٌ من الضلال والفتنة التي حذر منها العلماء.
الموقع الإلكتروني والانتشار
أنشأ محمد قاسم موقعًا إلكترونيًا بلغات عدة، منها العربية، يعرض فيه أحاديثه ورؤاه المزعومة، ويردّ على التساؤلات التي يطرحها متابعوه. وقد جاء فيه سؤال لافت:
هل محمد قاسم هو الإمام المهدي؟
وهو سؤال يكشف بوضوح الهدف من كل هذه الدعاية، فكيف يُطرح مثل هذا السؤال أصلًا، والمهدي لا يُعلن عن نفسه، ولا يُعرف زمانه أو مكانه إلا بعلامات محددة وردت في السنة النبوية الصحيحة؟
🔗 رابط الموقع (للاطلاع فقط):
https://muhammadqasimpk.com/ar/blog/is-muhammad-qasim-imam-mahdi
خلاصة القول
محمد قاسم ليس الأول ولن يكون الأخير ممن ادّعوا أو لمحوا إلى أنهم المهدي المنتظر، فالتاريخ الإسلامي شهد العديد من هؤلاء الذين انتهى ذكرهم دون أثر، وبقيت الحقيقة كما هي:
أن الله وحده يعلم زمن ظهور المهدي، ومتى تكون الأرض بحاجة إليه.
وعلى المسلمين جميعًا أن يكونوا أكثر وعيًا وتمييزًا، وألا يتركوا عقولهم نهبًا لمن يدّعون الكرامة أو الاصطفاء بغير دليل، وأن يعلموا أن الدين لا يُبنى على الأحلام، بل على العلم واليقين والبصيرة.
.png)