.png)
جرأة موصلة للوقاحة
لم يكن الاختلاف بين الرجل والمرأة يومًا مدعاة للتنازع، بل سُنّة فطرية اقتضتها حكمة الله في خلقه. فلكلٍّ منهما صفاته وسماته التي تُميّزه عن الآخر، وتجعل كلاً منهما مكمِّلاً للثاني لا نظيرًا له.
فالرجولة لا تكتمل إلا بما فُطر عليه الرجل من قوة وصلابة وحزم، وهي صفات تزيده مهابة وتكسبه وقارًا. كما أنّ الأنوثة في المرأة تكمن في رقتها ولطفها وحيائها، وهي ما يجعلها موضع تقدير واحترام في المجتمع.
لكن ما نشهده اليوم هو انحراف خطير في المفاهيم، إذ بات بعض النساء يسعين إلى التخلّي عن أنوثتهن الفطرية في محاولة لاكتساب صفات الذكور، ظنًّا منهن أن ذلك قوة أو تحرّر، بينما هو في الحقيقة خروج عن طبيعةٍ إنسانيةٍ أرادها الله متكاملة لا متصادمة.
في الأزمنة الماضية، كانت المرأة العربية رمزًا للحياء والعفّة، تتزيّن بأخلاقها قبل مظهرها، وتتحرّج من مخالطة الرجال أو مزاحمتهم في كل شأن. وكان الشعراء والأدباء يتغنّون بأنوثتها وسموّ خُلقها، لا بجمالها الخارجي فقط، بل بما تحمله من صفات الرفق والسكينة والحياء.
ومع مرور الزمن وتقدّم الوسائل الحديثة، بدأ هذا الحياء يتراجع، وظهرت نماذج جديدة من النساء تحاول كسر كل الحواجز باسم “الحرية والمساواة”. فبعد أن كانت الجرأة عند المرأة تُقاس بقدرتها على التعبير الواعي والثقة بالنفس، أصبحت عند البعض تجاوزًا لكل حدٍّ وحياء، حتى صار ما يُعرف بالجرأة في كثير من الأحيان أقرب إلى الوقاحة المرفوضة دينيًّا واجتماعيًّا.
لقد استغلّ بعض المفكرين والحركات الغربية هذه الموجة لتغيير هوية المرأة المسلمة، فرفعوا شعارات ظاهرها الرحمة وباطنها الهدم، كـ “تحرير المرأة” و“المساواة المطلقة”، ليجرّدوها من قيمها، ويجعلوها سلعةً تُستهلك في الأسواق الإعلامية والتجارية. ثم خرجت من رحم تلك الدعوات حركة “النسوية المتطرفة” التي تجاوزت حدود المناداة بالحقوق المشروعة إلى محاولة إسقاط كل القيم الأسرية والدينية التي تقوم عليها المجتمعات.
وللأسف، تبنّت بعض النساء تلك الأفكار، وابتعدن عن قيم العفّة والحياء، بل أصبحت الوقاحة في الكلام أو الظهور بلا ضوابط تُعدّ عند البعض دليلاً على القوة والاستقلال، بينما هي في حقيقتها ضعفٌ وهشاشةٌ وانسلاخٌ عن الجذور.
الأدهى من ذلك أن بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بدأت تُبرز تلك النماذج وتلمّعها، حتى صارت قدوة للفتيات الصغيرات، اللاتي اندفعن نحو تقليد مظاهر سطحية لا تمتّ للقيم بصلة، فكانت النتيجة ضياع هوية جيلٍ كاملٍ بين التقليد والانبهار.
وفي الوقت نفسه، يشهد الغرب — الذي صدّر إلينا مفاهيم “التحرّر” — مراجعات واسعة لتجربته، بعدما تسبّبت الحريات المطلقة في تفكّك الأسر وضياع القيم، وأدرك كثير من المفكرين هناك أن في التعاليم الإسلامية حلولًا تحفظ التوازن بين الحرية والمسؤولية، وبين الكرامة والحياء.
إنّ ما نحتاج إليه اليوم هو وقفة صادقة لإعادة النظر في الاتجاه الذي نسير نحوه، فالمجتمعات لا تُبنى بالتحرّر المفرط، بل بالالتزام الواعي. وينبغي تفعيل دور المؤسسات الدينية والثقافية في توعية الشباب والفتيات بخطورة الانسياق وراء التقليد الأعمى، وغرس مفاهيم الحياء والاحترام والتكامل بين الجنسين، بدلًا من الصراع بينهما.
فالمجتمع الراقي هو الذي يعرف أن **الحياء لا يُنافي القوة، وأن الجرأة بلا خُلق ليست شجاعة بل سقوط**.