الخميس، 20 نوفمبر 2025

Published نوفمبر 20, 2025 by with 0 comment

التلاعب بالأوضاع السياسية في العالم العربي: بين واقع المصالح وصناعة النفوذ

 

"تحليل شامل لواقع التلاعب بالأوضاع السياسية في العالم العربي: هل هو مؤامرة خارجية أم نتيجة تداخل مصالح دولية مع هشاشة داخلية؟ تعرف على دور أمريكا والغرب والكيان الصهيوني، ولماذا أصبحت دولنا العربية والأفريقية ساحة نفوذ مفتوحة للقوى الكبرى."

التلاعب بالأوضاع السياسية في العالم العربي: بين واقع المصالح وصناعة النفوذ


تتسارع الأحداث في العالم العربي بوتيرة تجعل المتابع يعتقد أن ما يجري هو جزء من مؤامرة كبرى تحاك في الغرف المغلقة. إلا أنّ فهم المشهد السياسي بعمق يكشف أن القضية أعقد من مجرد "مؤامرة"، وأكبر من أن تكون نتاج قرار واحد أو جهة واحدة. 


ما يحدث في عالمنا العربي هو نتاج تفاعل معقّد بين مصالح قوى كبرى تمتلك أدوات النفوذ، وبين هشاشة داخلية جعلت المنطقة ساحة مفتوحة للتأثير والتوجيه. وهنا تتضح الصورة: التلاعب ليس حدثاً واحداً، بل بنية سياسية عالمية تتقاطع فيها مصالح الخارج وتواطؤات الداخل.


خريطة اللاعبين: من يتحكم فعلياً في المشهد؟

من الصعب الحديث عن التلاعب السياسي دون النظر إلى القوى التي تمتلك القدرة على التأثير. فالولايات المتحدة والغرب والكيان الصهيوني، إضافة إلى قوى إقليمية صاعدة، يشكلون المحور الأساسي في عملية إعادة تشكيل المنطقة. هذه القوى لا تتحرك بدافع “الرغبة بالشر”، بل وفق سياسات استراتيجية رسمية تهدف إلى الحفاظ على مصالحها الأمنية والاقتصادية.

فالولايات المتحدة، مثلاً، ترى الشرق الأوسط مركزاً حيوياً للطاقة والتحالفات الجيوسياسية، ولذلك تعمل على منع ظهور قوة عربية موحدة يمكن أن تعيد تشكيل موازين القوى. أما الكيان الصهيوني، فمنذ تأسيسه وهو يعمل على ضمان تفوقه العسكري والسياسي عبر إضعاف الدول المحيطة به أو خلق صراعات داخلية تمنع استقرارها. الغرب أيضاً يعتمد سياسة النفوذ الناعم والخشن عبر الدعم العسكري والعقوبات والضغوط الاقتصادية، وصولاً إلى التدخل المباشر في بعض الحالات.

إلى جانب هؤلاء، تظهر قوى إقليمية أخرى كتركيا وإيران وروسيا، تحاول كل منها حجز مساحة نفوذ في الدول العربية، مستغلة الانقسامات الداخلية والفراغات السياسية.


لماذا العالم العربي هو الساحة الأسهل للتلاعب؟

الشرق الأوسط لا يُستهدف لأنه ضعيف فحسب، بل لأنه استراتيجي للغاية. المنطقة غنية بالثروات الطبيعية، وتضم أهم الممرات البحرية العالمية، وتمثل موقعاً جغرافياً يقع بين ثلاث قارات كبرى. هذه العوامل تجعلها جائزة جيوسياسية كبرى تسعى القوى الدولية للسيطرة عليها أو توجيه قراراتها.

ومع ذلك، يبقى العامل الداخلي هو الأهم. فالأنظمة السياسية في العديد من الدول العربية تعاني من مشكلات عميقة: هشاشة مؤسسات الدولة، غياب المشاركة السياسية، تنافس الأجهزة الأمنية، الفساد، والانقسامات الطائفية والقبلية. هذه البيئة تجعل من السهل اختراق الدول أو التأثير في قرارها الداخلي، بل وتجعل بعض الأنظمة معتمدة بشكل شبه كلي على الحماية الدولية أو الدعم الخارجي، مما يفتح الباب أمام تدخلات مباشرة وغير مباشرة.

وفي أفريقيا، الصورة ليست مختلفة كثيراً. الدول الضعيفة والهشة في غرب وشرق أفريقيا أصبحت ساحة تنافس بين قوى دولية مثل روسيا وفرنسا والولايات المتحدة والصين، وهو ما جعلها عرضة للانقلابات، تمردات الميليشيات، أو تدخل الشركات العسكرية الخاصة.

أما بعض الدول الأوروبية الهشة وغير المحمية مباشرة من الناتو، مثل دول البلقان أو دول شرق أوروبا الصغيرة، فهي الأخرى كانت وتظل أرضاً خصبة للتدخلات والنفوذ الخارجي، وإن بدرجة أقل من منطقتنا العربية.


مؤامرة أم اتفاق مصالح؟

الحقيقة أن ما يحدث لا يمكن اختزاله في كلمة واحدة. ليس مؤامرة بالشكل السينمائي الذي يتخيله البعض، وليس اتفاقاً رسمياً معلناً بين اللاعبين. ما يحدث هو تلاقي مصالح: قوى كبرى تمتلك رؤية واضحة للمنطقة وتسعى لتحقيق أهدافها، وأنظمة محلية تستفيد من هذا النفوذ، أو تجد فيه شبكة أمان تحافظ من خلالها على بقائها.

هذا التلاقي لا يعني الشراكة الكاملة، لكنه يعني أن اللعب السياسي في المنطقة يجري على مستويين:
مستوى خارجي يسعى إلى تشكيل المنطقة وفق مصالحه.
ومستوى داخلي يفتقر إلى القوة الكافية لمواجهة هذا النفوذ، أو يجد في التعامل معه فرصة لتعزيز سلطته.


النتيجة: ساحة سياسية مفتوحة لمن يملك النفوذ

بقدر ما تتدخل القوى الدولية في المنطقة، بقدر ما يمنحها الضعف الداخلي منفذاً سهلاً لذلك. ومن هنا، يصبح العالم العربي والأفريقي منطقة نفوذ وتنافس، فيما تبقى الدول القوية في أوروبا وآسيا بعيدة عن مثل هذه التدخلات بسبب حماية التحالفات الكبرى مثل الناتو، أو لأن مؤسساتها السياسية أكثر صلابة.


خاتمة

التلاعب بالأوضاع السياسية في العالم العربي ليس قدراً محتوماً، بل نتيجة مباشرة لمعادلة غير متوازنة: قوى دولية تمتلك المصالح والأدوات، ودول عربية تعاني من الضعف والانقسام. لا يمكن إنهاء النفوذ الخارجي دون إصلاح داخلي عميق، ولا يمكن وقف تدخلات الآخرين دون بناء قوة إقليمية حقيقية تضع للعالم خطوطاً حمراء. فالتاريخ يؤكد أن الدول القوية لا تُلعَب عليها، بل هي من يشارك في صياغة قواعد اللعبة.

    email this

0 comments:

إرسال تعليق

تعليقاتكم وملاحظاتكم تسرنا