الجمعة، 21 نوفمبر 2025

Published نوفمبر 21, 2025 by with 0 comment

مأساة العامرات… حين يصبح الفقر أقوى من الدولة

 

مأساة العامرات… حين يصبح الفقر أقوى من الدولة

مأساة العامرات… حين يصبح الفقر أقوى من الدولة



في ليلة هادئة من ليالي العامرات، خفتت الأنفاس في منزل صغير كان يفترض أن يحتضن ستة أفراد يبحثون عن الدفء. لكن الدفء لم يأتِ— بل جاء الموت. عائلة كاملة، أب وأم وأربعة أطفال، قضوا اختناقاً بسبب غاز أول أكسيد الكربون المتسرّب من مولّد كهربائي استخدموه طلباً للدفء بعد أن انقطعت بهم السبل.


هذه المأساة ليست مجرد حادث أليم؛ إنها مرآة تُعرّي واحدة من أكثر قضايا المجتمع العُماني حساسية وصمتاً: العاطلون المسرَّحون، والأُسر التي تتحمل وحدها عبء الفقر دون سند حكومي حقيقي.


عندما ينهار الركن الوحيد…

فماذا يبقى للعائلة؟


المعيل الذي سُرِّح من عمله لم يخسر وظيفته فقط؛ خسر كامل “نظام الأمان” الذي يفترض أن يحفظ حياة المواطن حين يمر بظرف قاسٍ.

وما بين فواتير تتراكم، وشتاء بارد، وأطفال ينتظرون الدفء، لجأت الأسرة إلى حل خطير… لكنها لم تجد بديلاً آخر.


في دولة غنية بمواردها، مستقرة بقوانينها، وكريمة في مبادراتها الخارجية—هل يُعقل أن يُترك مواطن بلا كهرباء آمنة؟ بلا دعم؟ بلا تدفئة؟

هل يعقل أن يُترك ستة أشخاص يواجهون الليل بمولد بدائي لأنهم لم يجدوا ما يقيهم البرد؟

إن السؤال هنا ليس: كيف ماتوا؟
بل: لماذا كانوا مضطرين إلى هذه الدرجة؟


دولة حديثة… وجرح اجتماعي قديم

عُمان، كغيرها من دول المنطقة، تتقدم في الاقتصاد والحوكمة والتعليم، لكنها لا تزال تتعثّر في ملفات اجتماعية حساسة، أبرزها:

* ضعف برامج دعم المسرّحين عن العمل

* غياب شبكات حماية اجتماعية حقيقية لمن يفقدون مصادر دخلهم

* غياب حلول إسكان ودعم طوارئ للفئات الهشة

* غياب رقابة فعالة على استخدام الأجهزة الخطرة في المنازل

* محدودية دور الجمعيات والجهات التطوعية في الوصول للفئات الأكثر فقراً


هذه ليست مشكلة عائلة واحدة.

إنها مشكلة نظام كامل يُفترض أن يحمي المواطن حين يسقط—فلا يتركه ينهار حتى الموت.


من يتحمل المسؤولية؟

الحكومة، حين تعلن أن السبب “تسرب غاز”، فهي تقدم تفسيراً فنياً لا يلامس جوهر المأساة.

المأساة ليست في الغاز.

المأساة في العوز.

ولا يمكن تجاهل أسئلة صعبة:

* أين الجهات التي يفترض أن تدعم المسرحين؟

* أين خطط الطوارئ للأسر ذات الدخل المنخفض؟

* أين برامج التدفئة والإسكان المدعوم؟

* أين الرقابة على المولدات المنزلية؟

* أين دور الإعلام في كشف هذه الفجوات قبل أن تدفن معها أسرة كاملة؟

إن صمت الدولة أو اكتفائها ببيان تقني… هو جزء من المشكلة.


عائلة ماتت… فهل يموت صوتها أيضاً؟

قد تُدفن الجثامين، لكن لا ينبغي أن تُدفن الأسئلة.

لا ينبغي أن تُدفن الحقيقة.

ولا ينبغي أن تُدفن هذه القضية تحت ركام الوقت، كما دُفنت عائلات كثيرة في صمت الفقر.


إن موت هذه الأسرة يجب أن يكون نقطة تحوّل، لا مجرد سطر حزين في الأخبار.


ماذا بعد؟

إذا لم يتحرك المجتمع والدولة اليوم، فسنقرأ خبرًا مشابهًا غدًا:

* والد مات لأنه لم يستطع دفع فاتورة الكهرباء

* أم فقدت أبناءها بسبب جهاز خطير

* أسر تسقط واحدة تلو الأخرى بصمت

الحماية الاجتماعية ليست “خيارًا”.

إنها حقّ حياة.

وعُمان—كغيرها من الدول الخليجية—تستطيع أن تكون نموذجًا لرعاية مواطنيها… إذا أرادت.

لكن الإرادة تظهر حين يكون الإنسان أولاً، قبل المشاريع، وقبل الخطط، وقبل البيانات.


وختاما

مصير هذه العائلة قضاه المولى عزوجل … ولكن هنالك أمور مهملة يجب إصلاحها حتى لا تتكرر هذه المأسأة وبنفس الاسباب والادوات. 


العائلة العُمانية التي ماتت وهي تحاول أن تتدفأ لم تمت بسبب جهاز فقط، بل ماتت بسبب غياب منظومة كاملة من الدعم.


وإن كان موتها صامتًا، فليكن صوتنا عاليًا.


كي لا نكتب مقالاً آخر عن عائلة جديدة… في بيت جديد… في ليلة أخرى.


رحم الله افراد هذه الأسرة ونسأل الله لهم الرحمة والمغفره وأن يتقبلهم في عباده الصالحين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وأن يصلح ولاة الأمر ومن استلموا المناصب العليا لخدمة الناس وتسهيل امورهم حتى يشعروا بالمسؤولية ويعلموا انهم محاسبون .

    email this

0 comments:

إرسال تعليق

تعليقاتكم وملاحظاتكم تسرنا