
تشابك وتخالط في المصالح والتوجهات… والضحية واحدة
**بسم الله الرحمن الرحيم**
مع استمرار آلة القتل في الأراضي الفلسطينية، وبخاصة في غزة، تتواصل المساعي الدولية واجتماعات التنسيق، لكنّها غالبًا ما تُترجم إلى بيانات ومناشدات لا تقيم وزنًا كافيًا لمعاناة المدنيين على الأرض. وفي ظل هذا الواقع، تتداخل المصالح الإقليمية والدولية، وتتشابك التوجّهات، لتظلّ النتيجة واحدة: مزيد من المعاناة والضحايا المدنيين.
مراقبة أم فعالية؟ تناقض المواقف الدولية
لا يخفى أن النظام الدولي بات مرهونًا بمصالح متشابكة؛ فبعض الدول تتخذ مواقف داعمة للمحتلّ علنًا أو ضمنًا، بينما ترفع دول أخرى شعارات التضامن لكنها تلتزم حدود الدبلوماسية. في المقابل، تُبقى معظم المبادرات والإعلانات على مستوى الرصد والضغط الرمزي، دون آليات تنفيذية فعّالة تضمن حماية المدنيين وإيصال المساعدات.
محور «الممانعة» والتبجّح الإعلامي: كلمات أم أفعال؟
الخطاب العالي النبرة من بعض محاور الإقليم يثير كثيرًا من الجدل: في كثير من الأحيان تذهب التصريحات إلى مدحٍ مبالغ فيه أو تهديدات إعلامية رنانة، لكنها قلما تُترجم إلى إجراءاتٍ ميدانية قادرة على تغيير مسارات الصراع. هذا النمط من الخطاب يثير سؤالًا مهمًا: هل الكلام يحل محل العمل؟ أم أنه يُستخدم لتأمين منافع رمزية وسياسية؟
إيران وإيرانوفيل: دعم أم تبعية؟
يُشاد ببعض الدول الداعمة للمقاومة لتمرير العتاد أو الدعم السياسي، بينما تُلفَّت الأنظار إلى مخاطر الاعتماد الكامل على محاور إقليمية قد تفرض أجندات لا تخدم بالضرورة المصلحة الوطنية الفلسطينية المستقلة. سؤال عملي يُطرح: كيف تُوازن الفصائل بين قبول الدعم الضروري والحفاظ على استقلالية القرار الوطني؟
دور مصر والدول المجاورة: توازن الأمن والإنسانية
لعبت مصر دورًا محوريًا في إدارة أزمة الحدود والضغط الدبلوماسي والوساطة، وهي تواجه تحديًا مزدوجًا: حماية أمنها الوطني ومنع توسّع الصراع، وفي الوقت نفسه المساهمة في التخفيف من معاناة الفلسطينيين. هذا التوازن الدقيق يستلزم حوارًا صريحًا بين الأطراف الفلسطينية ومع القاهرة لتفادي سياساتٍ تؤدي إلى نزوحٍ إجباري أو مزيدٍ من التوتر.
## قادة المقاومة في الخارج: صور براقة وأسئلة مشروعة
ظهور بعض القيادات خارج غزة في أجواءٍ مريحة يثير تساؤلات شعبية عن القرب من الشعب والتواجد في الميدان. يتوقع الجمهور من ممثليه مساندة ميدانية وروح تضامن حقيقية مع المتضررين، لا أن تظهر التناقضات الصورية بين حياة الرفاهية وخسارة العائلات على الأرض. الشفافية وخطط العودة وإدارة الأزمة هي ما يطمئن الميدان أولًا.
## الإعلام والشعب الدولي: طاقة تغيير أم هتاف عابر؟
الشعوب أظهرت تعاطفًا واسعًا عبر تظاهراتٍ عالمية، وهذا مؤشر قوي على وجود رأي عام قادر على الضغط على حكوماته. يبقى السؤال: هل سيتحول هذا الزخم الشعبي إلى إجراءات سياسية مستدامة؟ أم يظل مجرد بادرة تضامن رمزية؟
طوفان الأقصى كصندوق أسرار: مخططات واستدراج أم صدفة؟
قضية طوفان الأقصى كشفت الكثير من نقاط الضعف والثغرات لدى الأطراف المتورطة، وأثارت فرضيات حول خططٍ طويلة الأمد أو سيناريوهات مُدروسة. في المقابل، لا بدّ من التمييز بين التحليل العسكري والسياسي وبين الروايات غير المؤكدة؛ فالمطلوب تحقيقات موضوعية وشفافة لفهم ما جرى بدلاً من الانزلاق وراء التأويلات.
الخاتمة: الضحية واحدة… وضرورة تضافر القوى الإنسانية
في خضم هذا التشابك، تظلّ الضحية الأولى والأخيرة هي الإنسانية. سواء اختلفت المواقف أو تباينت المصالح، يبقى واجبًا إنسانيًا ودوليًا حماية المدنيين، وإيصال المساعدات، والعمل على حل سياسي عادل يضمن للفلسطينيين حقهم في العيش بكرامة. الشفافية، والحوار الداخلي الفلسطيني، والتنسيق الإقليمي البنّاء، ودفع المجتمع الدولي لتحويل البيانات إلى إجراءات حقيقية — كلها مفاتيح ضرورية لتقليل المعاناة وإيجاد مخرج ممكن لهذا الملف المزمن.