السبت، 29 نوفمبر 2025

Published نوفمبر 29, 2025 by with 0 comment

الحسابات الوهمية على منصة X: من كشفها؟ وكيف استُخدمت لمهاجمة السعودية والدول العربية؟

الحسابات الوهمية على منصة X: من كشفها؟ وكيف استُخدمت لمهاجمة السعودية والدول العربية؟

الحسابات الوهمية على منصة X: من كشفها؟ وكيف استُخدمت لمهاجمة السعودية والدول العربية؟



في التحديث الأخير لمنصة X (تويتر سابقًا)، برزت واحدة من أهم عمليات “تنظيف المحتوى” منذ سنوات، حيث قام النظام الجديد بتعقب وإيقاف آلاف الحسابات الوهمية وشبه الآلية (Bots & Fake Networks)، والتي كانت تُستخدم في حملاتٍ منظمة ضد عدد من الدول العربية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.
هذا الكشف أثار نقاشًا واسعًا حول حجم التدخل الخارجي في تشكيل الرأي العام العربي، وحول الأدوات التي كانت تُستخدم لتوجيه الجماهير ودفعهم إلى مواقف محددة دون وعي منهم.


الوقفة الأولى: كيف كشف التحديث الأخير في X هذه الشبكات؟

جاء التحديث الأخير ليركّز على 3 معايير حسّاسة:

  1. تحديد الأنماط المكرَّرة في التغريدات: الحسابات التي تُغرد بنفس الجمل أو الهاشتاقات خلال ثوانٍ قليلة.

  2. التحقق من صحة بيانات الحسابات: الكثير منها يستخدم صورًا مسروقة أو معلومات عامة غير منطقية.

  3. التعرّف على النشاط غير البشري: مثل التغريد على مدار الـ24 ساعة، أو الردود التلقائية السريعة.

هذه المعايير أدت إلى إغلاق موجة كبيرة من الحسابات التي تبين لاحقًا أنها ليست أفرادًا حقيقيين بل أدوات موجهة.


الوقفة الثانية: لماذا كانت السعودية هدفًا رئيسيًا؟

تظهر التحليلات أن الهجمات الرقمية على السعودية كانت تتم لأسباب مختلفة، أهمها:

1. تأثير السعودية الإقليمي المتنامي

صعودها الاقتصادي والسياسي يجعلها هدفًا لكل من يحاول التأثير على مراكز القوة في المنطقة.

2. محاولة ضرب الثقة الداخلية

الحملات الوهمية كانت تركز على:

  • بث الإحباط.

  • تهويل المشكلات الصغيرة.

  • خلق انطباع بوجود رفض داخلي واسع، رغم أن الحسابات نفسها ليست سعودية أصلًا.

3. محاولات توجيه الرأي العربي ضد الخليج

إشعال خلافات بين الدول العربية، ونشر رسائل طائفية أو قومية مزيفة.


الوقفة الثالثة: الأساليب المستخدمة في الهجمات

الحسابات الوهمية لا تعمل بشكل عشوائي، بل باتباع استراتيجيات واضحة، منها:

1. التحريض العاطفي

نشر تغريدات مصممة لإثارة الغضب الشعبي باستخدام كلمات حادة وصور مفتعلة.

2. صناعة الترند الوهمي

رفع هاشتاقات ضد دولة معينة عبر آلاف التغريدات المزيفة.

3. انتحال الهوية

حسابات تدّعي أنها:

  • مواطنون من داخل السعودية أو الخليج،

  • أو صحفيون،

  • أو “معارضون مجهولون”.

والهدف إعطاء مصداقية مزيفة للرسالة.

4. نشر الإشاعات قبل الأحداث الكبرى

مثل القمم السياسية، أو الأزمات الاقتصادية، أو القرارات الحكومية.


الوقفة الرابعة: من يقف خلف هذه الشبكات؟

رغم صعوبة تحديد الجهات بدقة، إلا أن التحليلات تشير إلى ثلاث فئات رئيسية:

  1. جماعات أيديولوجية تسعى لضرب استقرار الدول الخليجية.

  2. أطراف خارجية تستخدم التكنولوجيا لإضعاف تأثير السعودية في المنطقة.

  3. جيوش إلكترونية مدفوعة تعمل لصالح أحزاب أو دول تتصارع على النفوذ.


الوقفة الخامسة: أثر الحسابات الوهمية على المجتمعات العربية

وجود هذه الحسابات تسبب في:

  • نشر خطاب الكراهية،

  • خلق انطباع مضلّل عن الواقع،

  • تقليل الثقة في المؤسسات،

  • إشعال الفتن بين الشعوب العربية.

والأخطر من ذلك أنها تتلاعب بالعقل الجمعي من خلف الستار.


الوقفة السادسة: ماذا بعد كشف التحديث الأخير؟

الكشف لا يعني انتهاء الظاهرة، لكنه خطوة مهمة. ويبقى السؤال:

هل يستطيع المستخدم العربي التمييز بين الرأي الحقيقي والحساب المصنوع؟
وهل لدينا الوعي الكافي لفهم أن بعض “الضجيج الإلكتروني” ليس إلا أصواتًا تأتي من غرف مظلمة عبر روبوتات صامتة؟


فقرة حوارية ختامية للنقاش

يبقى السؤال الأهم الذي يحتاج إلى نقاش واسع:

إلى أي مدى شكلت الحسابات الوهمية وعي المجتمعات العربية دون أن تشعر؟
وهل نحن أمام مرحلة جديدة يجب فيها إعادة تقييم ما نقرأه ونشاركه على منصات التواصل؟
وما مسؤولية الأفراد والإعلام والحكومات في بناء فضاء رقمي نظيف لا تتحكم فيه “خوارزميات مموّلة” ولا “جيوش إلكترونية تعمل بالظل”؟

Read More
    email this
Published نوفمبر 29, 2025 by with 0 comment

سياسة المزاج المتغيّر: هل تتحرك الولايات المتحدة وفق المصالح أم وفق التزاماتها المعلنة؟

 

مقال حواري عميق يكشف سياسة الولايات المتحدة الانقلابية في التعامل مع الحلفاء، مع أمثلة من أوكرانيا والعراق وأفغانستان، وتحليل لأسباب تغيّر المواقف الأميركية وتأثيرها على العالم العربي والدول التي تركتها واشنطن في منتصف الطريق.

سياسة المزاج المتغيّر: هل تتحرك الولايات المتحدة وفق المصالح أم وفق التزاماتها المعلنة؟




تبدو الولايات المتحدة، في نظر كثير من المراقبين، دولة تتحرك في السياسة الخارجية بمنطقٍ يصفه البعض بـ "الولاء المشروط" أو "الدعم المؤقت"، الذي يبقى قائمًا فقط ما دام يحقق المصالح الأميركية المباشرة. وما إن تتبدّل الظروف، حتى تنتقل واشنطن إلى موقع آخر، وتعيد تشكيل تحالفاتها، وقد تترك حلفاءها في منتصف الطريق، تمامًا كما يحدث في لعبة الشطرنج عندما يستغني اللاعب عن قطعة كانت مفيدة قبل بضع نقلات ثم تُصبح عبئًا عليه.

هذا التحول ليس جديدًا، بل يشكل جوهر الاستراتيجية الأميركية منذ عقود. وفيما يلي نقاش تفصيلي لأبرز الأمثلة التي تكشف هذا النمط.


أوكرانيا… عندما تنقلب المعادلات فجأة

لم تكن أوكرانيا يومًا محمية أميركية بالمعنى الكامل، لكنها كانت أداة في الصراع الجيوسياسي بين واشنطن وموسكو.
منذ 2014 قدمت أميركا دعمًا سياسيًا وعسكريًا محدودًا، لكنه كان دائمًا محسوبًا بعناية بحيث لا يتحول إلى التزام مباشر بحماية كييف.

ومع اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا عام 2022، بدا الدعم الأميركي في بدايته ضخمًا، قبل أن يتراجع تدريجيًا مع الضغوط الداخلية الأميركية، ومع مخاوف واشنطن من تحول الصراع إلى حرب طويلة تستنزفها سياسيًا واقتصاديًا.

ومع مرور الوقت بدأ يظهر السؤال الذي يطرحه الأوكرانيون علنًا:
"هل ستتركنا أمريكا عندما تشعر أن الكلفة أصبحت أكبر من الفائدة؟"

هذا السؤال ليس جديدًا — بل تكرر في دول كثيرة قبل أوكرانيا.


العراق… الدعم الذي ينقلب إلى عبء

في العراق، قدمت الولايات المتحدة دعمًا واسعًا لقوات المعارضة العراقية قبل 2003، وروّجت لخطاب إسقاط النظام بوصفه ضرورة أخلاقية وسياسية.
لكن بعد الغزو، واجه العراق واقعًا مختلفًا:

  • فراغ سياسي وأمني كبير

  • صعود قوى مسلحة

  • انهيار مؤسسات الدولة

  • تدخلات إقليمية واسعة

وبدلًا من تحقيق الاستقرار الذي وعدت به واشنطن، بدا أنها تراجعت تدريجيًا وتركت البلد غارقًا في صراعاته، ثم انسحبت تاركة خلفها نظامًا هشًا ومعضلات لا تزال مستمرة حتى اليوم.

هنا يصبح السؤال منطقيًا:
هل كان الهدف الأميركي فعلًا "بناء عراق جديد"؟
أم كان الغزو ذاته هو الهدف، والباقي تفاصيل؟


أفغانستان… درس الانسحاب الأشد قسوة

إذا كان ثمة مثال يختصر السياسة الانقلابية الأميركية، فهو أفغانستان.
عشرون عامًا من الدعم العسكري والسياسي للحكومة الأفغانية، ثم انسحاب مفاجئ في 2021، أدى إلى انهيار الدولة خلال أيام فقط.

السبب؟
القرار الأميركي اعتبر أن "الكلفة أصبحت أكبر من المكسب"، وأن المعركة لم تعد تخدم مصالح واشنطن الاستراتيجية.

أما الحليف الأفغاني، فقد وجد نفسه أمام واقع مرير:
دعم أمريكي استمر عقدين ثم انتهى بضغطة زر.


الدول التي تضررت من هذا النمط

البلدان التي شعرت بثقل التراجع الأميركي كثيرة، منها:

  • فيتنام الجنوبية (1975)

  • الصومال بعد المهمة العسكرية الأميركية ثم الانسحاب

  • مصر التي تلقت دعمًا واسعًا في التسعينات قبل أن يتراجع الدور الأميركي تدريجيًا

  • قوات سوريا الديمقراطية التي تلقت دعماً ثم واجهت انسحابات أميركية غير متوقعة عام 2019

جميعها أمثلة على أن التحالف مع واشنطن ليس ضمانة طويلة المدى، بل علاقة تخضع للمراجعة كلما تغيّرت المصالح.


لماذا تنقلب أمريكا على حلفائها؟

الأسباب المشتركة تشمل:

1. تغير أولويات الأمن القومي الأميركي

عندما يصبح الصراع غير ذي جدوى، أو يتحول إلى عبء، تتراجع واشنطن سريعًا.

2. الضغوط الداخلية الأميركية

الرأي العام، الكونغرس، والاقتصاد… كلها عناصر تغيّر اتجاهات السياسة فجأة.

3. إعادة رسم الخرائط الجيوسياسية

تتعامل الولايات المتحدة مع العالم وفق مبدأ “من يفيدني الآن؟”، وليس “من كان حليفي بالأمس؟”.

4. الخوف من التورط العسكري طويل الأمد

تجارب العراق وأفغانستان جعلت واشنطن أكثر حساسية تجاه أي تدخل يشبه "المستنقع".


وكيف يتعامل العالم العربي مع هذه المزاجية؟

الدول العربية عانت، وربما أكثر من غيرها، من هذا النمط المتقلب.
فالسياسة الأميركية في المنطقة كثيرًا ما بدت كمن يتحرك تارةً بدافع المصالح النفطية، وتارة بدافع تحجيم نفوذ دول أخرى، وتارة تحت تأثير الضغوط الداخلية.

النتيجة؟
أن العالم العربي أصبح يتعامل بحذر شديد مع واشنطن، مدركًا أن:

الدعم الأميركي ليس دائمًا،
والالتزام الأميركي ليس مضمونًا،
والتحالف الأميركي لا يعني الولاء.

وهذا ما دفع عدة دول عربية في السنوات الأخيرة إلى تبني سياسة "تنويع الحلفاء" بدل الاعتماد الكامل على الولايات المتحدة، وهو تحوّل استراتيجي مهم في المنطقة.


خاتمة نقاشية… لمن يبقى الولاء؟

السؤال الذي يطرح نفسه اليوم في كل عاصمة عربية وغربية هو:
هل الولايات المتحدة شريك أم ظرف؟
حليف أم فرصة؟
صديق طويل المدى أم قوة تبحث عن مصالحها فقط؟

الواقع يشير إلى أن السياسة الأميركية ليست "خيانة"، بل براغماتية صارمة، ترى العالم كمساحة مصالح متغيرة، لا مساحة التزامات ثابتة.
وما لم تُدرك الدول هذا القانون، فإنها ستواصل الوقوع في الصدمة نفسها كل مرة.

Read More
    email this
Published نوفمبر 29, 2025 by with 0 comment

الإسلاموفوبيا بعد أحداث البيت الأبيض: الحصار الجديد على المسلمين

الإسلاموفوبيا بعد أحداث البيت الأبيض: الحصار الجديد على المسلمين

الإسلاموفوبيا بعد أحداث البيت الأبيض: الحصار الجديد على المسلمين




خلال 2025 شهد العالم تحوّلات كبيرة في سياسات الهجرة في الولايات المتحدة: بعد حادث إطلاق النار المزعوم قرب البيت الأبيض على يد شخص أفغاني الجنسية، أعلنت الإدارة الأمريكية تجميدًا مؤقتًا/كليًا على منح التأشيرات لعدد من الدول ذات أغلبية مسلمة أو نامية. The Washington Post+2The White House+2

التصريحات الحكومية ربطت هذا القرار بمخاطر أمنية: اعتُبر أن بعض الدول تفتقر إلى "إجراءات تدقيق ومراقبة" كافية، أو أن ''الإفراط في الهجرة من دول العالم الثالث'' قد يعرض الأمن القومي الأمريكي للخطر. The White House+2المشهد اليمني+2

لكن هذه الخطوة – وأجواء التخوين والتعميم ضد المسلمين – أعادت إلى الواجهة ما يمكن تسميته "إسلاموفوبيا منظمّة":

  • أن يُعاقَب المواطن العادي من دولة مثل أفغانستان أو إيران أو اليمن بسبب جنسية أو أصل جماعي – بدلاً من تهمة فردية — فهذا يشبه تجريم جماعة كاملة.

  • هذه السياسة لا تؤثر فقط على من يفكرون بالهجرة، بل على طلاب، عائلات، لاجئين، ومجتمعات بأكملها التي قد تُمنع من دخول بلد أو العودة إليه.

  • القرار يشكّل رسالة استهداف للمسلمين بشكل خاص — لأن أغلب الدول المدرجة في الحظر ذات سكان مسلمون — ما يرسّخ الانطباع بأن الإسلام يعادل تهديدًا.


إجراءات ترامب 2025 — ما الجديد؟

  • في 4 يونيو 2025، وقّع ترامب “إعلانًا رئاسيًا” يقضي بمنع دخول مواطني 12 دولة إلى الولايات المتحدة بشكل كلي، ومنع أو تقييد تأشيرات مواطني 7 دول أخرى. من بين الدول المحظورة كليًا: أفغانستان، إيران، ليبيا، اليمن، الصومال، السودان وغيرها. The White House+2KPMG+2

  • القيود تشمل التأشيرات السياحية، الدراسية، وحتى الإقامات في بعض الحالات. بعض الفئات (مثل من لديهم "green card" أو تأشيرة صالحة أو جنسية مزدوجة) استُثنيت، لكن العدد الكبير من المتضررين — خصوصًا من دول عربية وإسلامية — يبقى ملفتًا. KPMG+1

  • بعد حادث إطلاق النار المزعوم قرب البيت الأبيض، عُلّقت مؤقتًا جميع طلبات اللجوء من المواطنين الأفغان، وتم تجميد التأشيرات والهجرات لأفغانستان — وهو ما اعتُبر إجراء أمني يستهدف "دول العالم الثالث". The Washington Post+2Reuters+2


لماذا يُعتبر هذا تصعيدًا للإسلاموفوبيا؟

▸ تعميم التهمة

عندما تُمنع دول كاملة، بدعوى "مخاطر أمنية"، فإن ذلك يعني أن الجنسية أو الأصل تُستخدم كمعيار خوف وتهميش — وليس الأفعال الفردية. هذا إعادة إنتاج لصورة المسلم / القادم من الشرق أو من "العالم الثالث" كخطر.

▸ تبخيس حقوق الإنسان وحقوق اللجوء

نتج عن الإجراءات أضرار كبيرة: طلاب، عائلات، لاجئون، ببساطة يُمنعون من فرصة حياة أفضل. هذا يهمّش ملايين — غالبًا من المسلمين — ويجعلهم ضحايا سياسات تمييزية تحت غطاء “الأمن”.

▸ تعزيز خطاب كراهية عبر دولة

عندما تصدر أعلى السلطة السياسية في أكبر دولة بالعالم مثل هذه القرارات، فهذا يعطي شرعية لفكرة أن الإسلام — أو الدول المسلمة — "مهدد". ينعكس هذا على المسلمين في أميركا الأوروبية، وحتى على الهجرة والتعليم واللجوء حول العالم.

▸ مخاطرة بالتفريق بين متطرف ومتدين

مثل هذه القرارات تفترض علاقة بين الدين والإرهاب؛ بينما كثير من المتضررين لا علاقة لهم بأي تطرف، بل يبحثون عن حياة كريمة أو فرص تعليم. هذا يكرّس وصمة اجتماعية كبيرة.


انعكاسات إنسانية واجتماعية

  • آلاف العائلات — طلاب، عمال مهاجرون، لاجئون — فقدوا فرص السفر، العمل، أو العودة لوطنهم.

  • ضياع الأمل في دعم التعليم أو اللجوء أو اللجوء السياسي من دول تعاني الحروب والفقر، لأن الباب أصبح شبه مغلق أمامهم.

  • شعور بالخوف، العزل، والتنمر ضد المسلمين في دول المهجر، لأن الصورة العامة عنهم أصبحت مرتبطة بالخطر.

  • انهيار الثقة في النظام الذي كان يُفترض أن يحمي حق الإنسان في التنقّل، اللجوء والعمل بغض النظر عن دينه أو جنسيته.


ماذا يمكن أن يفعل المناهضون للإسلاموفوبيا؟

  • التوعية العامة: الإعلام، منظمات حقوق الإنسان، والمؤسسات الأكاديمية يجب أن يبرزوا قصص المتضرّرين، لا الإحصائيات فقط — لتجسيد إنسانية الضحايا.

  • تحريك القانون: الطعون على مثل هذه القرارات في المحاكم الدولية أو الوطنية، لأن منع جماعة على أساس الجنس/الدين/الجنسية يخرق مبادئ العدالة وحقوق الإنسان.

  • مناصرة التضامن: دعم اللاجئين، الطلاب، المهاجرين، التشبيك بينهم وبين الجاليات، خاصة في الدول الغربية، لتوفير دعم اجتماعي ونفسي.

  • مواجهة الخطاب السياسي المعادي: فضح التعميمات، ونشر التحليل الذي يُفرّق بين متطرف ومهاجر ومسلم عادي.


خلاصة

السياسات الأخيرة للولايات المتحدة تحت إدارة ترامب — من خلال الحظر الجديد على تأشيرات وإقامات مواطني دول عديدة من "العالم الثالث" — تمثل تصعيدًا خطيرًا للإسلاموفوبيا. ليست مجرد قرارات أمنية، بل محاولة لتجريم جماعة إنسانية على أساس الدين أو الأصل.

من المهم أن يُفهم هذا ليس كحادث عابر، بل كجزء من موجة معاداة ممنهجة للمسلمين والمهاجرين. المجتمعات الحرة، منظمات حقوق الإنسان، والأفراد — كلهم مسؤولون عن الوقوف ضد هذه الموجة، والدفاع عن حق الإنسان في التنقّل، الأمان، والعيش بحرية وكرامة.


Read More
    email this

الجمعة، 28 نوفمبر 2025

Published نوفمبر 28, 2025 by with 0 comment

الماسونية: بين الحقيقة التاريخية والأسطورة الشائعة

الماسونية: بين الحقيقة التاريخية والأسطورة الشائعة

الماسونية: بين الحقيقة التاريخية والأسطورة الشائعة




المقدمة

الماسونية (Freemasonry) واحدة من أكثر المنظمات التي أثارت الجدل عبر القرون. فهي خليط بين جمعية أخوية ذات طابع رمزي وفلسفي، وبين سمعة تآمرية تضخّمت في المخيال الشعبي العالمي. يصعب الحديث عنها دون المرور على تاريخ طويل من التنظيمات، التشعبات الفكرية، المحافل، والاتهامات، فضلاً عن دورها الملتبس في السياسة والمجتمع.

هذا المقال يقدّم أعمق قراءة ممكنة بين المعلومة الأكاديمية الموثقة والأساطير الشائعة، ليُظهر الصورة الكاملة بعيدًا عن التهويل أو التبسيط.



أولاً: ما هي الماسونية؟

الماسونية تنظيم أخوي (Fraternal Organization) نشأ في أوائل القرن الثامن عشر في أوروبا، تحديدًا في بريطانيا.
تقوم فكرتها على:

الرمزية: البناء، الحجارة، المحافل — باعتبارها رموزًا لبناء الإنسان.

الأخوة: مساعدة الأعضاء بعضهم.

الأخلاق: التزام مبادئ عامة مثل الصدق، الإحسان، الحرية.

الفكر التنويري: تقديس العقل، المعرفة، التسامح الديني.


الماسونية ليست دينًا ولا طائفة، بل جمعية تستلهم لغة الرموز.




ثانيًا: كيف نشأت؟

ظهرت من نقابات البنّائين الحرفيين في العصور الوسطى، ثم تطورت لتضم نخبًا مثقفة من غير البنّائين عبر ما سُمّي بـ “الماسونية الرمزية".

أول محفل رسمي:
محفل لندن الكبير 1717م — ويعتبر بداية التنظيم الحديث.



ثالثًا: هرمية التنظيم (الدرجات والمستويات)


تتكون الماسونية من ثلاث درجات أساسية:

1. المبتدئ (Entered Apprentice)


2. الزميل (Fellow Craft)


3. الخبير أو الماستر (Master Mason)



وتوجد بعد ذلك نظم مختلفة تمنح درجات إضافية — أشهرها:

الطقس الاسكتلندي (حتى الدرجة 33)

الطقس اليوركي


لكن المهم:
هذه الدرجات رمزية وتعليمية، وليس لها "سلطة سياسية" كما يُتصوّر شعبيًا.




رابعًا: من يقود الماسونية؟ هل لها “رأس عالمي”؟

من الحقائق المهمة:

لا يوجد “قائد عالمي واحد” للماسونية.

المسألة لا تشبه الفاتيكان مثلًا.

بل:

كل دولة لديها “محفل كبير Grand Lodge” مستقل.

لا يوجد ترابط تنظيمي عالمي ملزم.

ما يُسمى “المحفل الأعظم” مجرد جهة تنظيمية داخل حدود دولة واحدة.


بالتالي:

> الماسونية شبكة محافل مستقلة، لا حكومة مركزية فوقها.



الأسطورة التي تقول بوجود مجلس عالمي يدير العالم لا تستند إلى وثائق.




خامسًا: الأماكن والمقرات

ليس لها مقر عالمي. لكن أشهر المحافل الكبرى:

محفل إنكلترا الأعظم — لندن

محفل اسكتلندا الأعظم — إدنبرة

محفل فرنسا الأعظم

محفل أميركا الشمالية — أقوى محفل من حيث العدد


مبانيهم عادة تسمى "Lodge" أو "Grand Lodge" وتوجد في أغلب المدن الكبرى في الغرب.



سادسًا: الطقوس والرموز

طقوسهم رمزية وتمثيلية وليست دينية، ومن أشهر الرموز:

الفرجار والزاوية

العين التي ترى كل شيء

النجمة السداسية (عند بعض الفروع، وليس كلها)


أما الطقوس فهي:

مراسم ترقية الدرجات الثلاث

دخول العضو الجديد

قسم الالتزام بالسرية

طقوس محاضرات تعليمية حول الأخلاق، البناء الرمزي، الحكمة


وهي طقوس مسرحية غالبًا، مستوحاة من قصص بناء هيكل سليمان وفق روايتهم الرمزية.



سابعًا: طريقة العمل وآليات التأثير

رغم الصورة الشائعة، فإن الماسونية ليست منظمة سياسية رسمية، لكنها تعمل عبر:

بناء شبكات علاقات بين أعضاء من الطبقات العليا

التأثير الاجتماعي من خلال الجمعيات الخيرية

صعود الأعضاء لمناصب مؤثرة عبر شبكة واسعة من العلاقات

تبادل الدعم والمصالح


ليس بالضرورة أن تكون “أجندة سياسية” موحدة، لكنها تشبه شبكات النخب التي تعمل بالتأثير غير المباشر.


---

ثامنًا: مشاهير كان لهم انتماء ماسوني (مؤكد تاريخيًا)

(مع الإشارة أن الانضمام لم يكن وقتها مثيرًا للجدل)

من الغرب:

جورج واشنطن

بنجامين فرانكلين

وولفغانغ موزارت

مارك توين

وينستون تشرشل

أوسكار وايلد

تيودور روزفلت


من العالم العربي (توثيق تاريخي لا شائعات):

جمال الدين الأفغاني (انتمى في مصر فترة قصيرة)

محمد عبده (لفترة محدودة ثم ترك)

بعض شخصيات النهضة العربية في القرن 19


بعد الثلاثينيات تقريبًا اختفى النشاط الماسوني من العالم العربي بسبب قرارات المنع الحكومية.



تاسعًا: هل يوجد مسلمون داخل الماسونية اليوم؟

نعم، بشكل فردي، خصوصًا في:

تركيا

دول البلقان

بعض الدول الأوروبية

الجاليات المسلمة في أمريكا


لكن لا توجد “كتلة إسلامية ماسونية”.




عاشرًا: هل للماسونية أجندة خاصة؟

من المهم التفريق بين:

1. الأجندة الرسمية:

تعزيز الأخوة البشرية

فصل الدين عن العمل الأخوي

دعم حرية المعتقد

دعم العمل الخيري

تشجيع التفكير الحر


2. الاتهامات الشائعة (غير المثبتة):

السيطرة على الاقتصاد العالمي

إدارة الحكومات

نشر الإلحاد

التحكم بالإعلام العالمي

إقامة “نظام عالمي جديد”


لا توجد وثائق تاريخية تؤكد هذه الاتهامات، لكنها تنتشر بسبب:

طابع السرية

الرموز الغامضة

قوة الأعضاء في بعض المجتمعات

التشابكات مع عصور الاستعمار الأوروبي

أعمال أدبية وفنية ضخمة غذّت الأسطورة (دان براون وغيره)




الحادي عشر: الماسونية في العالم العربي والإسلامي

الحضور التاريخي

دخلت الماسونية إلى:

مصر

الشام

العراق

المغرب العربي

تركيا


وذلك في القرن 19 بعد دخول الجاليات الأوروبية.

وكانت آنذاك:

جمعية ثقافية

ذات طابع حداثي

تحظى باهتمام النخب والضباط والكتّاب


أسباب اختفائها لاحقًا:

الربط بينها وبين الاستعمار

انتشار نظريات المؤامرة

قوانين الحظر

الأنظمة القومية التي اعتبرتها تهديدًا

صعود التيارات الدينية التي رأت فيها بديلًا فكريًا خطيرًا


اليوم، لا يوجد نشاط ماسوني معلن في أغلب الدول العربية.



الثاني عشر: هل للماسونية دور في السياسة العالمية؟

الواقع:

تأثيرها غير مباشر، عبر شبكات علاقات بين أعضاء مؤثرين.

لا توجد “سلطة سياسية” تتخذ قرارات باسم الماسونية.

تأثيرها الأكبر تاريخيًا كان في القرن 18–19 مع صعود فكر التنوير والليبرالية.


المبالغات:

التحكّم بالدول

إدارة الثورات

صناعة رؤساء الدول

قيادة النظام العالمي

ارتباطها بالصهيونية


هذه تعتمد على سرديات شعبية وليس وثائق.




الخلاصة العميقة

الماسونية كتنظيم حقيقية وموجودة، لكنها:

ليست حكومة خفية

ليست دينًا

ليست شبكة سرية تحكم العالم

ليست كيانًا موحدًا عالميًا

تأثيرها أقل بكثير مما تُصوّره الخرافات


هي شبكة اجتماعية–رمزية–أخوية، لعبت دورًا في لحظة تاريخية مرتبطة بالتنوير الأوروبي، ثم تراجعت أهميتها اليوم، مع بقاء هالة من الغموض التي غذّت قصصًا وأساطير حول قوتها.
Read More
    email this
Published نوفمبر 28, 2025 by with 0 comment

آلة حرب منفلتة من دون رادع: كيف تحولت إسرائيل إلى قوة تضرب من تشاء دون محاسبة؟

آلة حرب منفلتة من دون رادع: كيف تحولت إسرائيل إلى قوة تضرب من تشاء دون محاسبة؟

آلة حرب منفلتة من دون رادع: كيف تحولت إسرائيل إلى قوة تضرب من تشاء دون محاسبة؟


على مدى العقود الماضية، بدت إسرائيل كقوة انفلتت من كل قيد، تتحرك في المنطقة بلا حسيب ولا رقيب، توسّع هجماتها، وتكرر اعتداءاتها، وتتمادى في استخدام القوة العسكرية حيثما شاءت، وبالطريقة التي تشاء. واللافت أن هذا السلوك لم يواجه ردعًا حقيقيًا، لا من الدول المتضررة، ولا من المجتمع الدولي، ولا حتى من القوى الكبرى التي يفترض أنها صاحبة النفوذ والقرار.


من فلسطين… حيث بدأ كل شيء

البداية كانت واضحة وصارخة:

احتلالٌ كامل، تهجيرٌ جماعي، هدمٌ للقرى، مجازر موثقة، حصار مستمر، وتوسع استيطاني لا يتوقف.

منذ 1948 وحتى اليوم، لم تُظهر إسرائيل يومًا استعدادًا للخضوع لقواعد القانون الدولي أو للحد الأدنى من أخلاقيات النزاعات.


وقد شكّل الصمت الدولي — بل الدعم الغربي — مظلةً حقيقية سمحت للاحتلال بتطوير عقلية "القوة التي لا تُحاسب".

وحين ينشأ كيان سياسي على هذا الأساس، يصبح التمدد والاعتداء سلوكًا طبيعيًا متوقعًا.


ثم امتد المشهد إلى الدول العربية: ضربات متتالية بلا تكلفة

*1. لبنان

من حرب 1982، إلى الاجتياحات المتكررة، إلى القصف الدوري على الجنوب…

لم تتردد إسرائيل في تنفيذ عمليات واسعة، بعضها وصل إلى قلب بيروت.

ورغم فداحة الاعتداء، لم تواجه إلا بيانات استنكار لا تغيّر في المشهد شيئًا.


*2. العراق

في 1981، دمرت إسرائيل مفاعل تموز النووي العراقي في عملية "أوبرا"، في واحدة من أكثر الضربات جرأة في التاريخ الحديث.

ومن جديد… لا عقاب ولا محاسبة.


*3. السودان

ضربات جوية متكررة على الأراضي السودانية استهدفت منشآت ومواقع متعددة، دون أي قدرة للدولة السودانية أو المجتمع الدولي على الرد.


*4. تونس

عام 1985 ضربت إسرائيل مقر منظمة التحرير في حمام الشط… آلاف الكيلومترات بعيدًا عن حدودها، في مؤشر جديد على أن لا خطوط حمراء في عقل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.


*وحتى سوريا… آخر الفصول المفتوحة

اليوم، تُقصَف سوريا بانتظام غير مسبوق:

من مطار دمشق إلى مرافئ اللاذقية، ومن مواقع في الجنوب إلى مراكز في الشرق.

وبينما تنهمك الدولة السورية في معالجة جراح حرب طويلة، تستغل إسرائيل الفراغ لتوسيع نفوذها العسكري وفرض معادلات جديدة في المنطقة.

هذه الضربات المتكررة ليست فقط عمليات عسكرية؛

إنها رسالة سياسية متعمدة من تل أبيب مفادها:

"لن يوقفنا أحد".


لماذا لا تُرَدّ هذه القوة المنفلتة؟

هناك عدة أسباب، أهمها:

*1. الانقسام العربي التاريخي

لم تعد الدول العربية تتفق على قراءة واحدة للتهديد الإسرائيلي.


*2. التنافس الإقليمي الداخلي

تشتت الأولويات الإقليمية منح إسرائيل فضاءً واسعًا للتحرك.


*3. المظلة الدولية الدائمة

الدعم الأمريكي–الغربي مستمر، سياسياً وعسكرياً وإعلامياً.


*4. تحويل المنطقة إلى ساحات صراع جانبية

الحروب الداخلية في الدول العربية أثّرت بشكل مباشر في قدرتها على الردع.



5.الابتعاد عن قيم الدين… عامل خفي لكنه حاسم في ضعف الأمة

يرى عدد من المفكرين، قديمًا وحديثًا، أن جزءًا من الأزمة لا يرتبط فقط بالعوامل السياسية والعسكرية، بل أيضًا بالابتعاد التدريجي عن قيم الدين الأساسية التي كانت عبر قرون مصدر قوة للأمة:

قيم مثل العدل، الوحدة، التكافل، نصرة المظلوم، المسؤولية الجماعية، وتغليب المصالح الكبرى على النزاعات الصغيرة.


ومع تراجع هذه المنظومة القيمية، ظهر:

* تفكك داخلي بين الدول

* نزاعات مذهبية وإيديولوجية

* جمود فكري وحضاري

* فقدان الروح الجماعية

* ضعف الإرادة السياسية

* غياب المشروع الموحد

هذا الفراغ القيمي مكّن القوى الخارجية من التمدد في المنطقة، لأن الأمة حين تتفرق، تسهُل السيطرة عليها، وحين تتنازع، يفقد كل طرف القدرة على حماية نفسه أو الدفاع عن الآخرين.

وبالنظر إلى المشهد اليوم، تبدو إسرائيل أحد أبرز المستفيدين من هذا التشتت، حيث تتحرك في الفراغ السياسي والفكري الذي خلّفته الانقسامات الداخلية.


*سؤال اللحظة… لماذا تواصل إسرائيل هذا النهج؟

لأنها — ببساطة — وجدت فراغًا عربيًا وإقليميًا، ومناخًا دوليًا مشجعًا، واعتقادًا راسخًا بأن أي خطوة تقوم بها لن تقود إلى مساءلة حقيقية.


*خاتمة… إلى أين؟

القصة ليست مجرد اعتداءات متفرقة، بل نمطًا استراتيجيًا مستمرًا لعقود.

ومادام العالم العربي يكتفي بدور المتفرج، ستظل إسرائيل قوة عسكرية منفلتة تضرب، وتهاجم، وتتوسع، بلا ثمن، وبلا سقف.

إن قراءة هذا المشهد بعمق تكشف حقيقة واحدة:

**الفراغ يولّد القوة، والسكوت يصنع المعتدي، والتردد يمنح الشرعية لكل من يعتقد أن القوة وحدها تكفي لصنع السياسة.**

Read More
    email this
Published نوفمبر 28, 2025 by with 0 comment

"حين يختلط المنبر بالسلطة: جدل تسييس الدين وتديين السياسة في العالم العربي"

 


"حين يختلط المنبر بالسلطة: جدل تسييس الدين وتديين السياسة في العالم العربي"


ظلّ سؤال العلاقة بين الدين والسياسة من أكثر الأسئلة حساسية في التاريخ الإسلامي، وتحوّل في العصر الحديث إلى محور صراع بين تيارات إسلامية تسعى لإعادة الدين إلى الحكم، وبين أنظمة سياسية تخشى من هذا الدمج وتراه تهديدًا لمستقبل الدولة، وبين شعوب منقسمة بين الأمل والقلق.


فهل نجح أي تيار إسلامي في مزج السياسة بالدين؟ وما أثر ذلك على المجتمعات؟ وهل هذا الدمج صحي أم مضر للأنظمة العربية؟ ومن أول من بدأ الفكرة تاريخيًا؟


هذا المقال يحاول فتح النقاش وتقديم رؤية واسعة مبنية على التجارب والوقائع وآراء العلماء.



1. من أين بدأت فكرة “السياسة الدينية”؟

تاريخيًا، بدأ دمج السياسة بالدين منذ قيام الخلافة الإسلامية نفسها بعد وفاة الرسول ﷺ، حيث نشأت الدولة الإسلامية على أساس ديني–سياسي واحد. كان الخلفاء الأوائل يمارسون الحكم والقيادة الدينية معاً، ثم ورثت الأمويون والعباسيون هذا النموذج مع اختلافات كبيرة.


لكن الدعوة لدمج الدين بالسياسة بصورتها “الحركية الحديثة” ظهرت في القرن العشرين، خاصة مع:

1. حسن البنا – مصر (1928)

مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، وهو أول من أعاد صياغة الإسلام في شكل مشروع سياسي كامل في العصر الحديث، داعيًا إلى:

* إقامة دولة إسلامية حديثة

* رفض القومية والدولة الوطنية

* توحيد الأمة

* تحرير الحكم من الهيمنة الأجنبية

تأثر المشروع حينها بالاستعمار البريطاني وسقوط الخلافة العثمانية عام 1924، ما ولد شعورًا بأن الأمة “بلا مرجعية سياسية”.


2. المودودي – الهند وباكستان

مؤسس الجماعة الإسلامية، وواحد من أهم منظّري “الحاكمية”، الذي قدّم صياغة فكرية عميقة لفكرة “الدولة الإسلامية”، وكان تأثيره كبيراً على الحركات الإسلامية حول العالم.


3. الخميني – إيران (1979)

طرح مفهوم ولاية الفقيه*بعد الثورة الإيرانية، ليصبح الدين رسميًا في رأس السلطة.

هذا شكل أحد أهم تجارب دمج الدين بالسياسة بشكل شامل في العصر الحديث.


2. هل نجحت تيارات الإسلام السياسي في دمج الدين بالسياسة؟**


تجارب تُعد “شبه ناجحة”

هناك تجارب استطاعت الوصول للحكم، لكنها واجهت تحديات كبيرة:


1. إيران – نموذج “نجاح بسلطة قوية”

* دمج كامل بين الدين والسياسة.

* دولة مركزية قوية، لكن مع مواجهة عزلة دولية.

* نجاح في تأسيس نظام مستقر، لكن مع تراجع اقتصادي وسياسي داخلي.


2. تركيا – حزب العدالة والتنمية (2002–الآن)

ليس إسلامياً صريحاً، لكنه يستخدم الهوية الإسلامية بشكل سياسي.

– حقق نموًا اقتصاديًا كبيرًا

– منح الحريات الدينية

– لكن انتهى بنزعة سلطوية وتوترات سياسية داخلية


3. تونس – حركة النهضة

تجربة ديمقراطية سليمة لكنها لم تصمد أمام تعقيدات المشهد السياسي والاقتصادي.


4. السودان – الحركة الإسلامية (1989–2019)

طبقت الشريعة، لكن التجربة واجهت عزلة دولية وأزمات اقتصادية وحروب داخلية، وانتهت بسقوط النظام.


تجارب “لم تنجح” في الحكم

* الإخوان المسلمين في مصر (2012–2013)

* الإسلاميون في الجزائر (1992)

* الإسلاميون في سوريا قبل 1982

* حماس في غزة تحت حصار خانق


السبب المشترك:

*احتكاك فكر ديني–ثوري بأنظمة عسكرية أو سياسية لا تقبل المشاركة.



3. لماذا تخشى الأنظمة العربية الإسلام السياسي؟

هناك عدة أسباب متداخلة:

1. النزعة الشمولية لبعض التيارات

العديد من الحركات الإسلامية ترى أنها تمثل “الحق المطلق”، ما يجعلها أقل مرونة في المشاركة السياسية.


2. مخاوف من تعدد الولاءات

الدولة العربية تريد ولاءً سياسيًا واحدًا، بينما الحركات الدينية قد ترى أن ولاءها العقائدي مقدّم على السياسي.


3. تجارب سابقة انتهت بصدام

مثل مصر وسوريا والسودان والجزائر.


4. الكتلة الشعبية الضخمة

الحركات الإسلامية تمتلك قواعد جماهيرية واسعة، ما يجعل الأنظمة ترى فيها تهديدًا استراتيجيًا.


5. تدخل خارجي

القوى الدولية تخشى صعود نماذج إسلامية سياسية قد تغيّر التوازنات الإقليمية.



4. أثر دمج السياسة بالدين على الدول والمجتمعات

إيجابيات محتملة

* تعزيز الأخلاق العامة

* مقاومة الفساد

* تقوية الهوية الثقافية والدينية

* زيادة مشاركة الناس في الشأن العام


لكن السلبيات كانت أكبر في أغلب التجارب

* صراعات أيديولوجية داخل المجتمع

* تقسيم ديني–سياسي يضعف الدولة

* تدخل العلماء في القرارات السياسية

* استغلال الدين لتبرير القمع

* تفكك المؤسسات المدنية

* صدام بين الأنظمة والتيارات الدينية

* حروب أهلية في بعض الحالات



5. آراء علماء ودعاة حول دمج الدين بالسياسة

علماء رفضوا التسييس

*ابن باز وابن عثيمين (السعودية)

كانوا يحذرون من الحركات الحزبية والدينية التي تدخل في السياسة وتؤدي إلى الفتن.


*الألباني

كان يرى أن “العمل الحزبي السياسي باسم الإسلام” باب للاقتتال وسبب في تضييع الدعوة.



علماء أيدوا المشاركة السياسية

*يوسف القرضاوي

دافع بشدة عن مشاركة الإسلاميين في الحكم، ورأى أن “الإسلام دين ودولة”.


*محمد الغزالي

كان يرى أن غياب الإسلاميين عن السياسة سمح للفساد بالانتشار.


*حسن البنا

اعتبر أن “الإسلام شامل لكل مناحي الحياة” بما فيها الحكم.



6. الأسباب الحالية لتعثر دمج الدين بالسياسة

* بنية الدولة الحديثة لا تقبل سلطة دينية عليا.

* المجتمعات أصبحت أكثر تنوعًا وغير قابلة لحكم أيديولوجي.

* الوعي الشعبي تغيّر ولم يعد يقبل الخطاب الديني التقليدي.

* الإعلام الجديد كشف أخطاء التيارات الإسلامية.

* التجارب الفاشلة السابقة جعلت الناس أكثر حذرًا.



7. هل دمج السياسة بالدين خيار صحي اليوم؟

العديد من الباحثين يرون أن:

*السياسة تحتاج إلى مؤسسات،

*والدين يحتاج إلى أخلاق وروحانية،

* ودمج الاثنين يؤدي إلى تسييس الدين أو تديين السياسة، وكلاهما له عواقب خطيرة.


أما النموذج الذي يراه البعض مناسبًا هو:

*“دولة مدنية بقيم إسلامية”


وليست:


* دولة دينية

  ولا

* دولة علمانية صِرفةد

بل دولة تستلهم القيم الأخلاقية دون إقامة حكم ديني شمولي.



*الخلاصة :

دمج الدين بالسياسة لم ينجح في أغلب التجارب الحديثة، ليس لأن الدين لا يصلح، بل لأن السياسة متقلبة، والدين ثابت، وعندما تلتبس الثوابت بالمتغيرات، يحدث الصدام والانقسام.

والخوف من الإسلام السياسي ليس بسبب الدين نفسه، بل بسبب:

* التجارب الفاشلة

* الصدام مع الأنظمة

* غياب النموذج الناجح

* وانقسام الحركات الإسلامية بين منهج دعوي وآخر ثوري


ويبقى السؤال مفتوحاً:

هل يمكن للعالم العربي أن يصنع نموذجاً جديداً يجمع بين القيم الدينية والاستقرار السياسي، دون صراع أو تهميش؟

Read More
    email this