ترامب ومادورو.. لماذا تتدخل أمريكا في فنزويلا؟ قراءة صريحة في صراع المصالح والنفوذ
منذ وصول نيكولاس مادورو إلى الحكم خلفًا لهوغو تشافيز، تحوّلت فنزويلا إلى واحدة من أبرز نقاط الاشتباك السياسي بين الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية. ومع صعود دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ازداد هذا الاشتباك حدةً، وبرز سؤال يتكرر في كل نقاش:
هل حقًا تهتم واشنطن بالديمقراطية في فنزويلا، أم أن خلف الستار شيئًا أكبر؟
في هذا المقال، نحاول الغوص بعمق في هذا الملف، بعيدًا عن الدبلوماسية الملساء والعبارات المنمّقة، وبأسلوب حواري يفتح باب التفكير لا باب التلقين.
أولًا: لماذا تُصرّ واشنطن على إسقاط مادورو؟
1. النفط… القصة الكبرى التي لا تبوح باسمها
فنزويلا تملك واحدًا من أكبر احتياطيات النفط في العالم.
والولايات المتحدة، عبر عقود، اعتادت أن تبقي إمدادات الطاقة في نصف الكرة الغربي تحت مظلتها.
ما فعله تشافيز – ولاحقًا مادورو – كان خروجًا واضحًا عن هذه المظلة.
ولذلك لم يكن غريبًا أن تضع إدارة ترامب كل أدوات الضغط المتاحة، من العقوبات إلى دعم المعارضة، من أجل إعادة النفوذ الأمريكي إلى قلب كاراكاس.
هل هي صدفة؟
بالطبع لا.
فالنفط في السياسة ليس مادة خام… بل سلاح نفوذ.
2. عقيدة ترامب: إسقاط الأنظمة غير الصديقة مهما كلّف الأمر
دونالد ترامب لم يخفِ يومًا كراهيته للأنظمة “المتمرّدة” على واشنطن، واعتبر مادورو نسخة لاتينية من خصومه في الشرق الأوسط وآسيا.
في خطاباته، كان ترامب يستخدم لغة مباشرة:
"مادورو ديكتاتور، والنظام سينهار."
لكن خلف هذه اللغة الصدامية كانت هناك رؤية أبسط:
إظهار القوة، إرسال رسالة للعالم، وتثبيت صورة أمريكا كمن يقرر مصير الأنظمة القريبة من حدودها.
3. صراع جيوسياسي مع روسيا والصين
فنزويلا تحولت إلى ساحة نفوذ روسية وصينية:
-
موسكو دعمت مادورو بالجنود والمستشارين.
-
بكين ضخّت مليارات الدولارات في شكل قروض وصفقات طاقة.
واشنطن رأت في ذلك تهديدًا مباشرًا.
ليس فقط لأن هذه القوى دخلت “الفناء الخلفي لأمريكا”، بل لأنها استخدمت فنزويلا كنقطة ارتكاز سياسية واقتصادية.
من هنا بدا الصراع وكأنه حرب باردة جديدة ولكن على أرض لاتينية.
ثانيًا: هل كان ترامب فعلًا يريد "إنقاذ" الشعب الفنزويلي؟
هنا يبدأ الجزء الذي يثير الجدل.
من الناحية الإنسانية، الأزمة الفنزويلية كانت (وما زالت) كارثية: انهيار اقتصادي، هجرة جماعية، نقص دواء وغذاء.
لكن السؤال المنطقي:
هل واشنطن تتحرك عادة بدافع إنساني؟
التاريخ لا يعطي الكثير من الأمثلة التي تعزز هذا الاعتقاد.
السياسة الأمريكية غالبًا ما كانت قائمة على البراغماتية:
عندما تتوافق المصالح الاقتصادية والسياسية مع “الأخلاق”، تتحرك واشنطن بسهولة أكبر.
لذلك، فإن “إنقاذ الفنزويليين” قد لا يكون سوى الواجهة الناعمة لصراع أكبر.
ثالثًا: مادورو.. بين دفاع شرعي أم تشبّث بالسلطة؟
من وجهة نظر أنصار مادورو:
-
هو يحاول حماية بلاده من الهيمنة.
-
أمريكا تستخدم المعارضة كأداة لإسقاط النظام.
-
العقوبات الأمريكية هي السبب الرئيسي لانهيار الاقتصاد.
أما معارضوه، فيرون فيه:
-
وريثًا لنظام استبدادي مغلق.
-
مسؤولًا عن الفساد والانهيار.
-
لاعبًا على وتر “العدو الخارجي” لإخفاء فشله الداخلي.
الحقيقة ربما تقع بين الطرفين:
فالنظام يعاني من فساد وسوء إدارة حقيقي، لكن في الوقت ذاته العقوبات الأمريكية ساهمت في تعميق الانهيار وجعلت الأزمة أكثر قسوة على المواطن الفنزويلي.
رابعًا: حوار مفتوح… هل التدخّل الأمريكي كان يمكن أن يحدث دون ترامب؟
سؤال مهم:
لو كان رئيس الولايات المتحدة غير ترامب — هل كانت واشنطن ستتدخل؟
الإجابة الأكثر واقعية:
نعم، ولكن بأسلوب مختلف.
-
ترامب كان عدائيًا وصريحًا ومباشرًا.
-
الإدارات الأخرى كانت ستلجأ لطريقة “الضغط الهادئ”.
إذن المشكلة ليست في هل ستتدخل أمريكا؟
بل في كيف ستتدخل.
النفط، الجغرافيا، ووجود روسيا والصين، كلها عناصر تجعل فنزويلا دولة لا يمكن لواشنطن تجاهلها.
خامسًا: من المستفيد؟ ومن الخاسر؟
المستفيدون المحتملون:
-
المعارضة الفنزويلية (سياسيًا لكن ليس اقتصاديًا).
-
شركات النفط الأمريكية.
-
واشنطن التي تستعيد نفوذها في المنطقة.
الخاسر الحقيقي:
المواطن الفنزويلي العادي، الذي يجد نفسه محاصرًا بين:
-
نظام داخلي فاسد.
-
وضغط خارجي خانق.
-
وصراع نفوذ لا ناقة له فيه ولا جمل.
صراع مصالح بواجهة سياسية
عندما ننزع الخطاب العاطفي وننظر للصورة كاملة، نجد أن:
-
أمريكا لا تريد نظامًا يخرج عن نفوذها في منطقة حساسة.
-
ترامب قام بتسريع وتضخيم هذا التدخل بأسلوبه المعروف.
-
مادورو استغل وجود “عدو خارجي” لإطالة عمر نظامه.
-
والشعب الفنزويلي دفع الثمن.
وهنا يبقى السؤال الحواري المفتوح:
هل فعلاً كانت واشنطن تدعم الديمقراطية في فنزويلا… أم كانت تحمي مصالحها؟
وهل كان الصراع على مادورو، أم على ما تحت أرض فنزويلا؟







