
"الدروز في سوريا… طائفة تبحث عن الأمان أم قوة صامتة تُعاد قراءتها؟"
حين تلتقي بشخص يحمل جرحًا عميقًا، فإن كلامه يترك أثرًا أكبر مما قد تتركه أي دراسة أو تقرير.
هكذا تمامًا كان حديثي مع ذلك الرجل الدرزي الذي نقل لي شعورًا بالظلم، وروايات عن ممارسات وانتهاكات أدت – كما قال – إلى مقتل أفراد من عائلته، ونجاته هو وزوجته التي انتقل معها الى دولة خليجية بحثًا عن الأمان.
هذا النوع من الشهادات فتح الباب أمام سؤال كبير: من هم الدروز فعلًا؟ وهل يعيشون مظلومين ومُقصيين في سوريا؟ أم أن رواية الاضطهاد مرتبطة بالظروف وانعكاس الصراعات السياسية والطائفية؟
هذا ما اناقشه في هذا المقال بعمق.
*من هم الدروز؟
الدروز جماعة دينية-اجتماعية عربية الأصل، ظهرت في القرن الحادي عشر.
عددهم في العالم يُقدّر بين 800 ألف إلى مليون شخص موزّعون بشكل أساسي على:
*سوريا: بين 600–700 ألف تقريبًا، معظمهم في محافظة السويداء.
*لبنان: حوالي 300 ألف.
*فلسطين المحتلة / إسرائيل: نحو 150 ألف.
*الأردن: أقلية صغيرة.
السوريون الدروز يشكّلون أكبر تجمع درزي في العالم، وهم جزء أصيل من النسيج السكاني السوري منذ مئات السنين.
*هل الدروز مضطهدون فعلاً داخل سوريا؟
السؤال شائك، والإجابة تعتمد على زاوية النظر. يمكن مناقشة الاحتمالات في ثلاث روايات رئيسية:
*1. رواية الاضطهاد:
يرى أصحاب هذا الرأي أن الدروز:
* تعرضوا للتهميش الاقتصادي والخدمي في السويداء.
* واجهوا محاولات لفرض التجنيد الإلزامي عليهم خلال الحرب.
* عاشوا تحت ضغط الفصائل المتطرفة التي كانت تتمدد قرب مناطقهم.
* فقدوا أفرادًا نتيجة هجمات داعش على القرى الشرقية عام 2015 و2018.
هذه الرواية تغذي شعورًا عامًا لدى بعض الدروز بأن مناطقهم تُركت وحيدة في ظل الحرب.
*2. رواية “الحياد المكلف”:
الدروز في سوريا اتخذوا موقفًا أقرب إلى “الحياد” خلال الأزمة السورية، لا هم مع السلطة بشكل كامل ولا مع المعارضة.
هذا الحياد:
* أبقاهم بمنأى عن تدمير هائل كما حدث لغيرهم،
لكن
* جعلهم عرضة لاتهامات من الطرفين:
* من المعارضة: بأنهم مؤيدون للسلطة.
* من بعض الموالين للسلطة: بأنهم “غير ملتزمين” أو “مترددين”.
النتيجة: احتكاكات أمنية متعددة، وشعور بالقلق والانعزال.
*3. رواية عدم الاضطهاد:
بحسب هذه الرؤية:
* الدروز يحتفظون بدرجة من الإدارة الذاتية غير المعلنة داخل السويداء.
* علاقتهم مع دمشق مبنية على “التفاهم” وليس الصدام.
* كبار مشايخ العقل يميلون تاريخيًا إلى التسويات مع الدولة.
من يتبنى هذا الاتجاه يرى أن سردية الاضطهاد مبالغ فيها أو تُستغل سياسيًا.
*هل هم مكروهون أو منبوذون في سوريا؟
صعب جدًا الحديث عن “كراهية عامة”، لأن الدروز تاريخيًا شاركوا في كل مراحل تكوين الدولة السورية، لكن هناك ثلاثة مصادر لتوتّر الصورة:
1. الجهل العام بطبيعة عقيدتهم ما يؤدي إلى أحكام مسبقة.
2. الخطابات الطائفية خلال سنوات الحرب التي ألصقت بكل طائفة صورًا نمطية.
3. رفض الدروز المشاركة في الحرب إلى جانب أي طرف، ما جعلهم هدفًا لاتهامات متناقضة.
لكن على مستوى المجتمع السوري العام، لا توجد مؤشرات قوية على كراهية عامة أو ممنهجة تجاه الدروز.
*ما علاقتهم بإسرائيل؟ وهل هم “تابعون” لها؟
هذا واحد من أكثر الملفات تعقيدًا في السرديات العربية:
*1. دروز فلسطين (داخل الخط الأخضر):
* جزء منهم يخدم في جيش الاحتلال الإسرائيلي بسبب قانون التجنيد الإجباري على الدروز فقط.
* هذا لا يمثل خيار دروز سوريا أو لبنان، بل هو **ظرف سياسي خاص بفلسطين المحتلة**.
* كثير من الدروز في الداخل يعارضون التجنيد أصلاً.
*2. هل دروز سوريا مرتبطون بإسرائيل؟
لا.
* دروز سوريا تاريخيًا معادون لإسرائيل سياسيًا بحكم موقفهم القومي.
* شارك العديد منهم في مقاومة الاحتلال في الجولان.
فكرة “ارتباطهم بإسرائيل” تُستخدم أحيانًا كسلاح سياسي للتشويه، لا أكثر.
*3. هل يتحكم بهم أحد؟
الدروز عادة يقودهم “مشايخ العقل” وهناك ثلاثة مراجع دينية أساسية في السويداء.
لكن في السياسة، المشهد أكثر تعقيدًا:
* هناك مشايخ قريبون من السلطة.
* وآخرون قريبون من الاحتجاجات الشعبية.
* وجزء ثالث يرفض أي اصطفاف نهائي.
هم ليسوا “تابعين” لقوة أجنبية، لكنهم أيضًا ليسوا كتلة سياسية موحدة.
*هل هناك عداء بينهم وبين الحكومة السورية؟
العلاقة تختلف حسب الزمن:
*قبل الحرب:
كانت العلاقة مستقرة، والدروز جزء من الدولة.
*بعد 2011:
* ظهرت توترات بسبب ملف التطويع والتجنيد.
* رفضت السويداء إرسال شبابها للجبهات، فبدأت بعض الاحتكاكات السياسية.
* ظهرت مجموعات محلية مسلحة تركز على حماية المنطقة فقط، دون قتال خارجي.
*اليوم:
العلاقة أقرب إلى “التعايش المشروط”، مع مطالب واسعة داخل السويداء بتحسين الوضع الاقتصادي والخدمات.
*حوار مفتوح: هل الدروز طائفة مظلومة أم حالة سياسية خاصة؟
السؤال لا يمكن الإجابة عنه بنعم أو لا.
لكنه يفتح نقاشًا جوهريًا:
* هل ما يروى عن الاضطهاد هو نتيجة هوية طائفية؟
* أم نتيجة فراغ سياسي وأمني عاشته السويداء خلال الحرب؟
* وهل المظلومية شعور جماعي فعلاً؟ أم تجربة فردية تختلف من شخص لآخر؟
* وهل تحاول أطراف إقليمية أو دولية توظيف هذه السردية لصالح مشاريعها؟
هذه الأسئلة بحد ذاتها تكشف أن وضع الدروز ليس حالة “اضطهاد بسيط”، بل نتيجة طبقات من التاريخ والسياسة والهوية والانقسام المحلي.
خلاصة
الدروز في سوريا جماعة عربية أصيلة، تعيش بين معادلات سياسية معقدة، وتحرص غالبًا على الحياد وعدم الانجرار للصراعات.
هل هم مضطهدون؟
البعض يقول نعم، والبعض يقول لا، لكن المؤكد أنهم يعانون من الظروف نفسها التي تعاني منها معظم مناطق سوريا اليوم: اقتصاد منهك، خدمات ضعيفة، وقلق مستمر من المستقبل.
ما يعانيه الفرد الذي التقيت به قد يكون جزءًا من معاناة شخصية أو عائلية أو سياسية، لكنه بالتأكيد يعكس حقيقة أكبر:
أن جميع السوريين — بمختلف طوائفهم — دفعوا ثمن الحرب بطريقة أو بأخرى.
0 comments:
إرسال تعليق
تعليقاتكم وملاحظاتكم تسرنا