الجمعة، 28 نوفمبر 2025

Published نوفمبر 28, 2025 by with 0 comment

غياب صوت العلماء والدعاة… حين تنشغل المنابر بالخلافات ويضيع الوعي

 

غياب صوت العلماء والدعاة… حين تنشغل المنابر بالخلافات ويضيع الوعي

غياب صوت العلماء والدعاة… حين تنشغل المنابر بالخلافات ويضيع الوعي


في السنوات الأخيرة، برز سؤال كبير يطرحه الشارع العربي والإسلامي بوضوح وبصوت أعلى من أي وقت مضى:

أين علماء الدين والدعاة مما يجري في الأمة؟ ولماذا تحوّل حضورهم إلى خلافات جانبية ومناظرات تستهلك الوقت بدل النهوض بالوعي أو مواجهة التحديات الكبرى؟


هذا السؤال لم يعد طرحًا إعلاميًا، بل أصبح قضية نقاش يومي على منصات التواصل وحتى في المجالس الخاصة. فبين قضايا سياسية وإنسانية تمزق المنطقة، وانقسامات فكرية واجتماعية تحتاج إلى صوت رشيد، يغيب الخطاب الديني المؤثر، ويحلّ محله ضجيج السجالات.



1. الانقسام الواضح… مؤيد ومعارض دون رؤية جامعة

يشهد المتابع اليوم انقسامًا حادًا بين العلماء والدعاة حول معظم قضايا الأمة.

ففي كل حدث كبير، تظهر:

 فئة تؤيدموقفًا سياسيًا أو دينيًا معينًا.

وأخرى تعترض بشدة على الموقف نفسه.

لكن المشكلة ليست في الاختلاف بحد ذاته، بل في تحوله إلى خصومة وصراع ومزايدات حول من الأكثر علمًا أو التزامًا أو قربًا من “الحق المطلق”، حتى بات المتابع العادي عاجزًا عن التمييز بين الرأي الشرعي الحقيقي وبين المصالح أو الحسابات الشخصية أو الارتباطات المؤسسية.


هذا الانقسام أضعَف ثقة الناس، وخلق فجوة واسعة بين العلماء والمجتمع، بينما المعركة الحقيقية — مع الجهل والفقر والاستبداد والظلم — لا تزال بحاجة إلى أصواتهم.


*2. انشغال يغيب الإنسان… خلافات العقيدة ومزايدات العلم

في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة أزمات كبرى، يختار العديد من الدعاة والعلماء الدخول في:

* جدالات حول مسائل عقائدية تاريخية.

* محاولات إثبات التفوق العلمي على الآخر.

* التركيز على “تصحيح” الأتباع ومعاقبة المختلف.

وكأن الأمة تعيش في فراغ، لا حروب ولا نكبات ولا انهيارات اقتصادية واجتماعية.

بدل أن يكون العالم منارة ترشد الناس، أصبح — لدى البعض — مشاركًا في صراع داخل البيت الواحد، يكرر ذات الكلام منذ عقود دون تجديد أو معالجة للواقع.


3. مناظرات لا تُسمن ولا تُغني… البخاري مثالًا


انتشرت في السنوات الأخيرة مناظرات طويلة عن:

* صحة كتب البخاري.

* شخصية الإمام البخاري نفسه.

* المخطوطات القديمة.

* تحديات بين الدعاة لإثبات الحفظ والاطلاع.


السؤال الذي يطرحه الناس اليوم:

*ما الذي يستفيده المجتمع من هذه المعارك؟ وما أثرها على حياة الفرد؟

النتيجة تكاد تكون صفرًا.

فالقضايا المحورية — التربية، الأخلاق، مواجهة الانحلال، دعم الأسر، معالجة الفساد — تغيب تمامًا، بينما تحتل مكانها مناقشات نظرية لا تغيّر من الواقع شيئًا.



4. الرد على الجهّال… مضيعة للوقت أم ضرورة؟

انتشرت في السنوات الأخيرة موجة من “الدجالين الرقميين” الذين يقدمون محتوى هجوميًا أو تشكيكيًا لجذب المشاهدات، ويتوقع الجمهور أن يرد العلماء عليهم.


لكن المشكلة أن:

* الجهل لا ينتهي بالرد على أصحابه واحدًا واحدًا.

* والردود المتكررة تمنحهم شهرة وتأثيرًا أكبر.

* والانشغال بهم يسرق وقت العلماء وجهدهم من القضايا الكبرى.

كان من الممكن — وما زال — أن يكون الرد: عميقًا، موجزًا، غير متكرر، وموجها للجمهور لا لصاحب الادعاء.



5. أين الدور الحقيقي؟ ولماذا غاب؟

يحمّل الكثيرون المسؤولية لعوامل متعددة:

1.الضغوط السياسية والاجتماعية التي تقيد حركة العلماء.

2. الخوف من الاصطدام بالسلطات أو المؤسسات القائمة.

3. الانشغال الإعلامي بالمناظرات لأنها تجذب المشاهدات.

4. ضعف التجديد الديني وعجز المنظومة التقليدية عن مواكبة العصر.

5. ضياع “العالم المصلح” وسط فوضى “المؤثرين الدينيين الجدد”.

لكن مهما تكن الأسباب، فإن النتيجة واحدة:

**صمت أو خلاف، بينما الأمة تحتاج إلى صوت رشيد، موحد، شجاع، ومؤثر.**


6. أسئلة مفتوحة للنقاش والحوار

وفي ضوء كل هذا، يبرز عدد من الأسئلة الجوهرية التي تستحق النقاش:

* هل فقد العلماء دورهم القيادي في المجتمعات العربية والإسلامية؟

* وهل يتحمل الجمهور جزءًا من المسؤولية عندما يفضّل المحتوى الجدلي على الوعي الحقيقي؟

* وما المطلوب من العلماء اليوم؟ صوت سياسي؟ أخلاقي؟ تربوي؟ إصلاحي؟

* وهل يمكن استعادة الثقة بينهم وبين الناس بعد سنوات من الانقسام؟

* وكيف يمكن إعادة توجيه الخطاب الديني نحو الإصلاح بدل الجدال؟

هذه الأسئلة ليست للنقد فقط، بل لفتح باب حوار عميق حول **مستقبل الإرشاد الديني** في عالم متغير، حيث لم يعد الصمت خيارًا، ولا العدائية منهجًا، ولا الانشغال بالثانويات بديلًا عن مسؤولية العلماء تجاه الأمة.

    email this

0 comments:

إرسال تعليق

تعليقاتكم وملاحظاتكم تسرنا