.png)
آلة حرب منفلتة من دون رادع: كيف تحولت إسرائيل إلى قوة تضرب من تشاء دون محاسبة؟
على مدى العقود الماضية، بدت إسرائيل كقوة انفلتت من كل قيد، تتحرك في المنطقة بلا حسيب ولا رقيب، توسّع هجماتها، وتكرر اعتداءاتها، وتتمادى في استخدام القوة العسكرية حيثما شاءت، وبالطريقة التي تشاء. واللافت أن هذا السلوك لم يواجه ردعًا حقيقيًا، لا من الدول المتضررة، ولا من المجتمع الدولي، ولا حتى من القوى الكبرى التي يفترض أنها صاحبة النفوذ والقرار.
من فلسطين… حيث بدأ كل شيء
البداية كانت واضحة وصارخة:
احتلالٌ كامل، تهجيرٌ جماعي، هدمٌ للقرى، مجازر موثقة، حصار مستمر، وتوسع استيطاني لا يتوقف.
منذ 1948 وحتى اليوم، لم تُظهر إسرائيل يومًا استعدادًا للخضوع لقواعد القانون الدولي أو للحد الأدنى من أخلاقيات النزاعات.
وقد شكّل الصمت الدولي — بل الدعم الغربي — مظلةً حقيقية سمحت للاحتلال بتطوير عقلية "القوة التي لا تُحاسب".
وحين ينشأ كيان سياسي على هذا الأساس، يصبح التمدد والاعتداء سلوكًا طبيعيًا متوقعًا.
ثم امتد المشهد إلى الدول العربية: ضربات متتالية بلا تكلفة
*1. لبنان
من حرب 1982، إلى الاجتياحات المتكررة، إلى القصف الدوري على الجنوب…
لم تتردد إسرائيل في تنفيذ عمليات واسعة، بعضها وصل إلى قلب بيروت.
ورغم فداحة الاعتداء، لم تواجه إلا بيانات استنكار لا تغيّر في المشهد شيئًا.
*2. العراق
في 1981، دمرت إسرائيل مفاعل تموز النووي العراقي في عملية "أوبرا"، في واحدة من أكثر الضربات جرأة في التاريخ الحديث.
ومن جديد… لا عقاب ولا محاسبة.
*3. السودان
ضربات جوية متكررة على الأراضي السودانية استهدفت منشآت ومواقع متعددة، دون أي قدرة للدولة السودانية أو المجتمع الدولي على الرد.
*4. تونس
عام 1985 ضربت إسرائيل مقر منظمة التحرير في حمام الشط… آلاف الكيلومترات بعيدًا عن حدودها، في مؤشر جديد على أن لا خطوط حمراء في عقل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.
*وحتى سوريا… آخر الفصول المفتوحة
اليوم، تُقصَف سوريا بانتظام غير مسبوق:
من مطار دمشق إلى مرافئ اللاذقية، ومن مواقع في الجنوب إلى مراكز في الشرق.
وبينما تنهمك الدولة السورية في معالجة جراح حرب طويلة، تستغل إسرائيل الفراغ لتوسيع نفوذها العسكري وفرض معادلات جديدة في المنطقة.
هذه الضربات المتكررة ليست فقط عمليات عسكرية؛
إنها رسالة سياسية متعمدة من تل أبيب مفادها:
"لن يوقفنا أحد".
لماذا لا تُرَدّ هذه القوة المنفلتة؟
هناك عدة أسباب، أهمها:
*1. الانقسام العربي التاريخي
لم تعد الدول العربية تتفق على قراءة واحدة للتهديد الإسرائيلي.
*2. التنافس الإقليمي الداخلي
تشتت الأولويات الإقليمية منح إسرائيل فضاءً واسعًا للتحرك.
*3. المظلة الدولية الدائمة
الدعم الأمريكي–الغربي مستمر، سياسياً وعسكرياً وإعلامياً.
*4. تحويل المنطقة إلى ساحات صراع جانبية
الحروب الداخلية في الدول العربية أثّرت بشكل مباشر في قدرتها على الردع.
5.الابتعاد عن قيم الدين… عامل خفي لكنه حاسم في ضعف الأمة
يرى عدد من المفكرين، قديمًا وحديثًا، أن جزءًا من الأزمة لا يرتبط فقط بالعوامل السياسية والعسكرية، بل أيضًا بالابتعاد التدريجي عن قيم الدين الأساسية التي كانت عبر قرون مصدر قوة للأمة:
قيم مثل العدل، الوحدة، التكافل، نصرة المظلوم، المسؤولية الجماعية، وتغليب المصالح الكبرى على النزاعات الصغيرة.
ومع تراجع هذه المنظومة القيمية، ظهر:
* تفكك داخلي بين الدول
* نزاعات مذهبية وإيديولوجية
* جمود فكري وحضاري
* فقدان الروح الجماعية
* ضعف الإرادة السياسية
* غياب المشروع الموحد
هذا الفراغ القيمي مكّن القوى الخارجية من التمدد في المنطقة، لأن الأمة حين تتفرق، تسهُل السيطرة عليها، وحين تتنازع، يفقد كل طرف القدرة على حماية نفسه أو الدفاع عن الآخرين.
وبالنظر إلى المشهد اليوم، تبدو إسرائيل أحد أبرز المستفيدين من هذا التشتت، حيث تتحرك في الفراغ السياسي والفكري الذي خلّفته الانقسامات الداخلية.
*سؤال اللحظة… لماذا تواصل إسرائيل هذا النهج؟
لأنها — ببساطة — وجدت فراغًا عربيًا وإقليميًا، ومناخًا دوليًا مشجعًا، واعتقادًا راسخًا بأن أي خطوة تقوم بها لن تقود إلى مساءلة حقيقية.
*خاتمة… إلى أين؟
القصة ليست مجرد اعتداءات متفرقة، بل نمطًا استراتيجيًا مستمرًا لعقود.
ومادام العالم العربي يكتفي بدور المتفرج، ستظل إسرائيل قوة عسكرية منفلتة تضرب، وتهاجم، وتتوسع، بلا ثمن، وبلا سقف.
إن قراءة هذا المشهد بعمق تكشف حقيقة واحدة:
**الفراغ يولّد القوة، والسكوت يصنع المعتدي، والتردد يمنح الشرعية لكل من يعتقد أن القوة وحدها تكفي لصنع السياسة.**
0 comments:
إرسال تعليق
تعليقاتكم وملاحظاتكم تسرنا