
قلوبٌ شتّى يتوحّد أصحابها… وأمّة واحدة تتفرّق!
على الرغم من أنّ المجتمع الصهيوني يعيش واحدة من أكثر البنى الاجتماعية والسياسية انقسامًا في العالم—انقسامات عقائدية، دينية، حزبية، قومية، وحتى عنصرية داخلية—إلا أنّه يتحوّل، لحظة شعوره بالتهديد، إلى كتلة واحدة تعمل كفريق متماسك.
هذه الظاهرة ليست جديدة، ولم تأتِ من فراغ، بل هي جزء من طبيعة المشروع الصهيوني نفسه، الذي بُني منذ بداياته على أساس أمني قبل أي شيء آخر.
الصهاينة… داخليًا ممزّقون، وخارجيًا يدٌ واحدة
قد يبدو المشهد السياسي الإسرائيلي اليوم أشبه بساحة صراع بين اليمين واليسار، والمتدينين والعلمانيين، والأشكناز والسفارد، بل وحتى بين الأجهزة الأمنية نفسها.
ومع ذلك، حينما يتعلّق الأمر بما يسمّونه “الأمن القومي”، تسقط الخلافات كلها خلف ظهرهم.
الجميع يصبح جزءًا من فريق عمل واحد هدفه حفظ الكيان واستمراره.
هذه القدرة على “إدارة الخلاف” وتقديم المصلحة العليا على الصراعات الداخلية ليست وليدة اللحظة، وإنما جزء من ثقافة زرعها المؤسسون منذ قيام الكيان، عبر ثلاثة مبادئ رئيسية:
1. الأمن أولًا… وكل شيء بعده
كل مؤسسة وكل فرد يتم تربيته على أن بقاء الدولة أهم من بقاء الحكومات والأحزاب.
2. صورة العدو الموحّد
وجود خصم خارجي يصنع تلقائيًا حالة اصطفاف داخلي.
3. منظومة متقدمة لإدارة الأزمات
لديهم آليات واضحة وفعّالة لحل الخلافات حينما تصبح تهديدًا لأمنهم.
القرآن… سبق ففضح حقيقتهم
المفارقة أن القرآن الكريم وصف حالهم بدقة:
“تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى”
(الحشر: 14)
هذه الآية جاءت في سياق الحديث عن اليهود، حيث كانوا متفرقين داخليًا رغم ما قد يظهر من اتحاد ظاهري، وهو ما نراه اليوم تمامًا؛ فكل ما يبدو من انسجام هو انسجام اضطراري، لحظي، مرتبط بالخوف أو المصلحة.
لكن السؤال الأخطر هو:
إذا كان من وصفهم الله بتشتت القلوب ينجحون في توحيد صفوفهم عند الحاجة… فلماذا لا نفعل نحن؟
لماذا لا يعمل العرب والمسلمون كفريق واحد؟
الأمة العربية والإسلامية هي أكثر أمم الأرض التي اجتمع عليها الخصوم، وأكثر من سُفكت دماؤهم ظلمًا وعدوانًا، وأكثر من يحتاج فعلًا إلى وحدة الصف… ومع ذلك لم يتحقق ذلك إلا نادرًا.
هناك أربعة أسباب رئيسية:
1. غياب مشروع موحّد
الأمة لم تبلور حتى اليوم مشروعًا جامعًا يمكن أن تتفق حوله، لا سياسيًا ولا اقتصاديًا ولا حضاريًا.
2. الإرث التاريخي للخلافات
تراكم صراعات الماضي—القبلية، المذهبية، السياسية—ما زال يلقي بظلاله، وأصبح يُستدعى بسهولة في كل أزمة.
3. تدخل القوى الخارجية
كل مرة يقترب العرب من التماسك، يتحرك الخارج لإعادة تفتيتهم، لأن وحدتهم تعني قوّة سياسية واقتصادية لا يمكن مجاراتها.
4. غياب ثقافة إدارة الاختلاف
نحن لا نفتقد إلى “وحدة الصف” فقط؛ نحن نفتقد إلى فن إدارة الخلاف.
أما الصهاينة فيدركون أن خلافاتهم الداخلية يجب ألا تهدد مشروعهم، فيضعون قواعد واضحة تمنع ذلك.
العرب والمسلمون… قادرون على التوحد إذا تغيرت الأولويات
رغم كل هذا، فإن تاريخ الأمة يُظهر أنها كلما تعرّضت لخطر وجودي حقيقي، استطاعت أن تتماسك.
بل أحيانًا يكفي أن يظهر مشروع صادق وعادل حتى يتفاعل الناس حوله بقوة.
ولذلك فإن السؤال اليوم ليس:
لماذا لا نتّحد؟
بل:
ما المشروع القادر على جمعنا؟ ومن يمتلك الشجاعة لطرحه؟
ختامًا
اتحاد الصهاينة ليس قوة داخلية بقدر ما هو خوف مشترك…
أما الأمة العربية والإسلامية فحينما توحّدت في التاريخ لم يكن خوفًا، بل إيمانًا بعدالة قضيتها.
ربما آن الأوان لطرح السؤال الأكبر:
هل نريد وحدة مبنية على رد الفعل… أم مشروعًا يعيد للأمة مكانتها؟
0 comments:
إرسال تعليق
تعليقاتكم وملاحظاتكم تسرنا