الصراع في السودان: الجيش وقوات الدعم السريع… كيف بدأت الحرب، وما المستقبل؟
1. لمحة تاريخية عن الأزمة
ما يحدث في السودان اليوم ليس نزاعًا عابرًا بل يتجذر في سنوات طويلة من الاضطرابات السياسية والأمنية في البلاد. بعد سقوط نظام الرئيس عمر البشير في أبريل/نيسان 2019، دخل السودان في مرحلة انتقالية حساسة بين القوى المدنية والمكون العسكري في الدولة، ممثلاً في الجيش و«قوات الدعم السريع».
كانت البداية بالتعاون بين الطرفين للحفاظ على الاستقرار بعد الثورة، إذ شارك الجيش وقوات الدعم السريع في المجلس السيادي الانتقالي، على أمل الانتقال نحو حكم مدني. ولكن التوتر سرعان ما تصاعد حول مصير هذه القوات ومكانتها في هيكل الدولة العسكرية والأمنية.
في صلب الخلاف كان موضوع دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني وفقًا لخطط الإصلاح الأمني والعسكري. الجيش أراد دمجًا سريعًا وضمن قيادة موحدة، بينما طالب قائد الدعم السريع بأن يتم ذلك بمهل زمنية طويلة ليحافظ على نفوذه وبنيته الحالية.
هذا الخلاف الأساسي وتفاقم التوتر بين الطرفين أدّى، في 15 أبريل/نيسان 2023، إلى مواجهات مسلحة واسعة بين الجيش و«قوات الدعم السريع» في الخرطوم ومدن أخرى في السودان، لتحمل البلاد منذ ذلك الحين أهوال حرب لم تشهد مثلها منذ استقلالها.
2. من هم «قوات الدعم السريع»؟ وكيف ولدت؟
«قوات الدعم السريع» (Rapid Support Forces – RSF) هي قوة شبه عسكرية نشأت أساسًا من عناصر الجنجويد في إقليم دارفور، وهي ميليشيا مسلحة كانت تُستخدم في السابق لقمع التمرد في الإقليم خلال سنوات الصراع هناك.
في السنوات التي سبقت الثورة، اكتسبت هذه القوات قوة ونفوذًا متناميين داخل السودان، ثم شاركت في الأحداث السياسية التي تبعت إسقاط البشير، وأصبح قائدها محمد حمدان دقلو (حميدتي) نائبًا لرئيس المجلس السيادي الانتقالي.
اعتمدت «الدعم السريع» على مصادر تمويل خاصة، منها مناجم الذهب وغيرها من الأنشطة التجارية، مما منحها استقلالية نسبية عن الميزانية المركزية للدولة، وخلق لها قدرة كبيرة على التسليح والسيطرة.
بهذا الشكل، تحولت من ميليشيا محلية إلى قوة سياسية وعسكرية لها تأثيرها الخاص داخل الدولة السودانية، وهو ما أثار القلق لدى المؤسسة العسكرية الرسمية وفتح باب النزاع معها.
3. الحرب بين الجيش و«الدعم السريع»: الخطوط العريضة
الصراع بين الجيش السوداني (SAF) و«قوات الدعم السريع» بدأ في أبريل/نيسان 2023، مع فشل المفاوضات حول الدمج وقيادة القوة الأمنية الموحدة.
المعارك انتشرت سريعًا من العاصمة الخرطوم إلى دارفور وحتى ولاية الجزيرة، التي تعد القلب الزراعي للسودان، ما أدّى إلى سيطرة «الدعم السريع» على أجزاء واسعة من البلاد، في حين سيطر الجيش على مناطق أخرى، وتحولت المعارك إلى حرب استنزاف مدمرة.
هذه الحرب ليست بين جيشين فقط، بل امتدت لتشمل جماعات قبلية وأمنية، ما جعل المشهد أكثر تعقيدًا وأعقد للبنية الاجتماعية والسياسية في السودان.
4. أكبر الانتهاكات والجرائم خلال الصراع
الحرب تميزت بانتهاكات خطيرة ضد المدنيين والبُنى الأساسية، ارتُكبتها أطراف النزاع ولا سيما «قوات الدعم السريع»، وفق تقارير حقوقية متواترة:
-
الهجوم على مستشفى في الفاشر باستخدام الطائرات المسيّرة في يناير 2025، ما أسفر عن مقتل عشرات المدنيين من المرضى والعاملين في المستشفى.
-
هجوم على سوق في أم درمان (الخرطوم) أدى إلى مقتل وإصابة المئات نتيجة القصف والقذائف.
-
مجازر في القرى والبلدات مثل مجزرتي الكدّاريس والخلوت في ولاية النيل الأبيض، حيث راح ضحية العشرات بل المئات من المدنيين.
هذه الأعمال أثّرت على الوضع الإنساني في السودان بشكل مأساوي، ودفع النزاع إلى ارتفاع مستوى العنف ضد السكان المدنيين بشكل غير مسبوق.
5. الوضع الحالي: أين هي الحرب؟
بحلول أواخر 2025، ما زال القتال مستمرًا، مع تقلبات في الأرض:
-
قوات «الدعم السريع» استطاعت السيطرة على بعض المدن الاستراتيجية مثل الفاشر، ما اعتبره الكثير من المحللين منعطفًا حاسمًا في الحرب.
-
وهناك تحركات في مناطق النفط والبنى الاقتصادية الحساسة، حيث سجلت «الدعم السريع» سيطرته على حقول مهمة مثل حقول النفط في هجلِيج، ما أثّر على صادرات النفط والاقتصاد الإقليمي.
-
مع عمليات عسكرية مستمرة وتشابكات في عدة ولايات، تبدو الحرب في حالة “جمود واستنزاف” مع محاولات من بعض الدول والمنظمات الدولية للضغط على الطرفين لوقف النار وتمهيد الطريق للحوار السياسي.
6. إلى أين يسير السودان؟ هل هناك انفراجة؟
الوضع في السودان ما زال هشًا، والآفاق مفتوحة على تفسيرات متعددة:
-
لا توجد نهاية واضحة للحرب في الوقت الراهن. التوتر بين الجيش و«الدعم السريع» لا تزال جذوره قائمة، ولا اتفاق سياسي شامل بينهما حتى الآن.
-
المدنيون يدفعون الثمن الأكبر. النزاع أدى إلى نزوح الملايين وتشريد الأسر، ووضع السودان أمام أزمة إنسانية واسعة.
-
في السيناريوهات المتوقعة، يمكن أن تستمر الحرب طويلة، وقد تمتد إلى مرحلة تقسيم السلطة أو حتى النزاع الإقليمي الأوسع إذا لم يتم التوصل لتسوية سياسية.
خاتمة
السودان بلد غني بالثروات الطبيعية والبشرية، لكنه اليوم في أحد أخطر مراحل تاريخه الحديث.
الصراع بين الجيش و«قوات الدعم السريع» بدأ من خلاف حول هيكل الدولة ومستقبل المؤسسة العسكرية، لكنه سرعان ما تحوّل إلى حرب شاملة لا تترك مكانًا آمنًا لسكان البلاد.
الانتهاكات والجرائم أثّرت على الوضع الإنساني، والوضع الحالي لا يزال معقّدًا، ما يجعل أي انفراجة حقيقية تتطلب حلولًا سياسية جوهرية وخارطة طريق واضحة تشارك فيها كل القوى الوطنية، وتضمن وقف إطلاق النار واحترام حقوق الشعب السوداني.

0 comments:
إرسال تعليق
تعليقاتكم وملاحظاتكم تسرنا