
لماذا ترتفع معدّلات الجريمة في مصر؟ تحليل شامل بلا تجميل ولا تجنٍّ
تُعدّ الجريمة مؤشرًا اجتماعيًا مركّبًا لا يُفسَّر بسبب واحد، ولا يرتبط بطبيعة شعب دون آخر. وفي حالة مصر، فإن ارتفاع بعض أنواع الجرائم خلال السنوات الأخيرة لم يأتِ من فراغ، بل من تداخل خمسة محاور: الضغط الاقتصادي، البيئة الاجتماعية، الأداء الأمني، البنية الثقافية، والكثافة السكانية الهائلة.
وهنا تحليل موضوعي لهذه المحاور:
1) الوضع الاقتصادي… المحرك الخفي للجريمة
لا يمكن تجاهل أن مصر تعيش منذ سنوات ضغوطًا اقتصادية كبيرة:
عوامل اقتصادية تغذي الجريمة:
ارتفاع معدلات الفقر عند شريحة واسعة من المجتمع.
البطالة أو تدني الأجور، خصوصًا لدى الشباب.
تضخم وغلاء معيشة يدفع البعض لارتكاب جرائم السرقة، النصب، والاحتيال.
غياب فرص العمل الحقيقية مع اتساع الاقتصاد غير الرسمي.
هذه ليست ظاهرة مصرية بل قانون عالمي: حين يشتد الضغط الاقتصادي، يزيد معدل الجريمة.
2) الكثافة السكانية… “قنبلة اجتماعية”
مصر تضم قرابة 110 مليون نسمة على مساحة سكانية ضيقة جدًا (نحو 6% من الأرض). هذه الكثافة تنتج:
ازدحامًا، توترًا، وضغطًا يوميًّا.
تنافسًا حادًا على فرص العمل.
ضعف الرقابة المجتمعية الطبيعية.
زيادة احتكاك الناس ببعضهم، ما يزيد جرائم الخلافات والمشاجرات.
كلما ارتفع عدد السكان مقابل الخدمات، ارتفع معدل الفوضى والجريمة — وهذه معادلة اجتماعية معروفة.
3) الجهل مقابل التعليم… فجوة خطرة
رغم تحسن نسب التعليم مقارنة بالماضي، إلا أنّ هناك:
نسبة أمية تقارب ربع السكان في بعض المحافظات.
تدنّي جودة التعليم في كثير من المدارس الحكومية.
ضعف الوعي القانوني.
انتشار الثقافة الشفوية بدل الثقافة القانونية.
هذه البيئة تجعل بعض الناس:
يستسهلون العنف،
لا يدركون عواقب الجريمة،
يسايرون العادات الاجتماعية الانتقامية.
الجريمة ليست بسبب “طبيعة المصريين”، بل بسبب ظروف بيئية وثقافية تترك أثرًا على السلوكيات.
4) هل المشكلة أمنية؟… تقييم موضوعي
الأمن في مصر ليس ضعيفًا من حيث عدد القوات أو إمكانيات الدولة، لكن توجد نقاط مهمة:
نقاط القوة:
جهاز شرطي ضخم منتشر في كل المحافظات.
قدرة عالية على السيطرة بعد وقوع الجريمة.
نقاط القصور:
قلة “الأمن الوقائي” الذي يمنع الجريمة قبل حدوثها.
ضغط عددي هائل يفوق قدرة كل الأجهزة في العالم.
تحديات تتعلق بالفساد أو البطء الإداري في بعض القطاعات.
عدم كفاية برامج إعادة التأهيل للمجرمين، ما يؤدي إلى تكرار الجرائم.
إذن، الأمن عنصر مهم لكنه ليس السبب الوحيد أو الأكبر.
5) هل المصريون يميلون للعنف بطبعهم؟
هذا السؤال طرحه الكثيرون، والجواب العلمي هو: لا.
الشعوب لا تُولد عنيفة أو مسالمة، بل تتشكّل سلوكياتها من:
البيئة التي تكبر فيها.
مستوى الضغوط الاقتصادية.
العدالة الاجتماعية.
الإعلام والثقافة.
القدوة المجتمعية.
وإذا قارنت بين المصريين داخل مصر وخارجها، تجد:
حين تتوفر لهم فرص عمل، نظم قانونية صارمة، ومستوى دخل جيد — يسلكون كسواهم من الشعوب.
إذن ليست طبيعة، بل ظروف.
6) ما سبب بروز الجنسية المصرية في قوائم الجرائم خارج مصر، خصوصًا في الخليج؟
هذه نقطة مهمة وحساسة، وتتطلب تحليلًا واقعيًا محايدًا:
أولًا: الأعداد الضخمة
المصريّون يشكلون واحدة من أكبر الجاليات في الخليج.
كلما زاد العدد، زادت نسبة من يرتكبون مخالفات — وهو منطق إحصائي لا علاقة له بطبيعة شعب.
ثانيًا: الوظائف ذات الدخل المتواضع
بعض الشرائح تعمل في وظائف منخفضة الدخل، ما يجعلهم:
عرضة لضغوط مالية،
يدخلون في قضايا ديون، شيكات، أو خلافات تجارية.
هذه غالبًا “جرائم مالية” وليست عنفًا دمويًا.
ثالثًا: اختلاف القوانين بين الدول
بعض السلوكيات التي تُعد “عادية أو بسيطة” في مصر تُعد مخالفة جنائية في بلدان الخليج، مثل:
الشيكات المرتجعة،
العمل الإضافي غير المصرح،
السكن العشوائي،
بيع البضائع دون تصريح.
فتظهر الإحصاءات بنسبة أعلى.
أي جريمة يرتكبها وافد عادة تجد تغطية إعلامية كبيرة، ما يوحي بأنها ظاهرة عامة، رغم أنها لا تمثل المجموع.
خامسًا: عدم حصول البعض على وعي قانوني ونظامي
بعض الوافدين لا يدركون القوانين بدقة، فيقعون في مخالفات غير مقصودة.
الخلاصة: الارتفاع مرتبط بالعدد، بالضغوط الاقتصادية، وبـ طبيعة القوانين، وليس بطبيعة المصريين أو ميولهم.
7) هل توجد أسباب أخرى للجريمة في مصر؟ نعم، وأهمها:
أ) التفكك الأسري
الطلاق المرتفع، غياب الأب، العنف الأسري… كلها تصنع بيئة خصبة للجريمة.
ب) المخدرات
انتشار المخدرات الرخيصة (مثل الإستروكس) ساهم في زيادة جرائم القتل والاعتداء.
ج) الإعلام والمحتوى العنيف
بعض المحتوى الفني يصور البلطجة والانتقام كحلّ اجتماعي.
د) غياب العدالة الاجتماعية
الشعور بالظلم أو انعدام تكافؤ الفرص يدفع بعض الناس للجنوح.
هـ) الانترنت وجرائم الاحتيال الإلكتروني
جرائم “أونلاين” أصبحت أسهل ومربحة للبعض.
خلاصة شاملة
ارتفاع معدل الجريمة في مصر ظاهرة متعددة الأسباب، وليس لها علاقة بطبيعة شعب أو مزاج قومي.
العوامل الحقيقية هي:
الضغط الاقتصادي
كثافة سكانية غير مسبوقة
فجوة تعليمية وثقافية
قصور في برامج الأمن الوقائي
تفكك أسري
شيوع المخدرات
الإعلام العنيف
اختلال العدالة الاجتماعية
أما تصدر المصريين لبعض قوائم الجرائم خارج بلادهم فيعود إلى:
العدد الكبير للوافدين
ضغط المعيشة
اختلاف القوانين
الإعلام
جهل بعض العمال بالقوانين
وليس بسبب ميلٍ فطري للعنف.
0 comments:
إرسال تعليق
تعليقاتكم وملاحظاتكم تسرنا