الأحد، 30 نوفمبر 2025

Published نوفمبر 30, 2025 by with 0 comment

سوريا بين التوغّل والدم المستباح: ماذا تريد إسرائيل من عملياتها المتكرّرة؟

 

سوريا بين التوغّل والدم المستباح: ماذا تريد إسرائيل من عملياتها المتكرّرة؟

سوريا بين التوغّل والدم المستباح: ماذا تريد إسرائيل من عملياتها المتكرّرة؟

شهدت سوريا خلال الأيام الأخيرة عملية توغّل جديدة أسفرت – وفق ما نقلته مصادر محلية – عن مقتل 13 سوريًا بين مدنيين وعسكريين. وبالرغم من أن سوريا اعتادت منذ سنوات على الضربات الجوية الإسرائيلية، فإن ما حدث هذه المرة يكشف عن تصعيد نوعي يعيد طرح السؤال القديم الجديد:
ما الذي تريده إسرائيل من سوريا؟ ولماذا تستمر عملياتها داخل الأراضي السورية بهذا الإصرار؟

هذه المقالة تقدّم قراءة نقدية للمشهد من ثلاثة محاور: الحدث، السياق، والدلالات الاستراتيجية.


أولًا: الحدث… دم ينساب فوق أرض أنهكتها الحروب

التوغّل الأخير جاء في منطقة تشهد نشاطًا عسكريًا معقّدًا، حيث تتقاطع مصالح أطراف متعددة: الجيش السوري، فصائل محلية، وقوى تعمل بالوكالة.
العملية أدّت إلى سقوط 13 قتيلًا، بينهم عناصر تابعون لقوات الدفاع المحلية، إضافة إلى إصابات ودمار في بعض المنازل.

ورغم تضارب الروايات حول طبيعة الهدف، فإن الثابت هو استمرار الانتهاكات الميدانية داخل الأراضي السورية دون قدرة حقيقية على ردع أو منع هذه العمليات.


ثانيًا: إسرائيل… اللاعب الذي يتحرك بلا منافس

منذ عام 2011، كثفت إسرائيل عملياتها العسكرية داخل سوريا، مستهدفة مواقع وصفتها بأنها تهديد لأمنها.
لكن المتابع للمشهد يدرك أن المسألة باتت أبعد من “ردع تهديد” وأقرب إلى رسم خرائط جديدة للتأثير والسيطرة.

الإسرائيليون يتحرّكون وفق ثلاث استراتيجيات ظاهرة:

1. منع تشكّل قوة إقليمية داخل سوريا

تراقب إسرائيل بدقة أي بنية عسكرية ترى أنها قد تمثل خطرًا عليها، سواء كانت قوات نظامية، مجموعات محلية، أو قوات حليفة لإيران.
وترى أن إضعاف سوريا عسكريًا يجعل الحدود الشمالية لإسرائيل أكثر هدوءًا، وأقل احتمالية للانفجار.


2. استخدام الساحة السورية كورقة داخل صراعها السياسي من الداخل

العمليات العسكرية المتكررة تمنح المؤسسة الأمنية الإسرائيلية صورة “الحارس اليقظ”، وتُستخدم داخليًا لرفع مكانة القيادات السياسية والعسكرية.
في أوقات التوتر الداخلي، يكون قصف سوريا استعراض قوة يتلقّاه الجمهور الإسرائيلي كرسالة طمأنة.


3. اختبار مواقف القوى الكبرى

كل عملية إسرائيلية في سوريا هي أيضًا رسالة إلى روسيا والولايات المتحدة وإيران.
سوريا اليوم ليست ساحة حرب فقط، بل ساحة رسائل، وكل ضربة تحمل بين طياتها حسابات أكبر من الهدف ذاته.


ثالثًا: أين سوريا من كل هذا؟

سوريا – الدولة والشعب – تقف في منتصف ميدان تتصارع فيه القوى أكثر مما تتحاور:

  • انهيار اقتصادي

  • عقوبات

  • انقسام جغرافي

  • تدخلات إقليمية ودولية

  • ضعف في البنية الدفاعية

  • وملايين من السوريين بين نازح ومهجّر

هذه البيئة جعلت البلاد أكثر عرضة لأي اختراق أو عملية عسكرية، مع محدودية القدرة على الرد.


رابعًا: من يدفع الثمن؟ 13 اسمًا يكفي ليقول كل شيء

الدم السوري صار منذ سنوات الأقل كلفة في حسابات السياسة الإقليمية.
13 قتيلًا في التوغّل الأخير ليسوا رقمًا في الأخبار، بل دليل جديد على هشاشة الدولة السورية، وعلى أن الفاتورة تُدفع دائمًا من جيب المدنيين والمقاتلين البسطاء.


خامسًا: ماذا تريد إسرائيل حقًا؟

1. سوريا مُنهكة دائمًا

إسرائيل لا تريد إسقاط النظام السوري، لكنها لا تريد عودته قوةً مستقرة.
هو توازن دقيق: دولة موجودة… لكنها ضعيفة.

2. قطع أي امتداد عسكري إيراني

الهدف الاستراتيجي الأكبر:
منع إقامة "ممر بري" يربط طهران – بغداد – دمشق – بيروت.

3. فرض حضور دائم في قواعد الاشتباك

كل عملية عسكرية داخل سوريا تجعل إسرائيل شريكًا غير معلن في رسم شكل المنطقة.

4. إرسال رسالة بأن سوريا منطقة مفتوحة

الرسالة الواضحة:
“نستطيع الدخول والخروج متى نشاء… دون أن يمنعنا أحد.”


سادسًا: أين العرب من كل هذا؟

رغم تحسن العلاقات الدبلوماسية السورية العربية في بعض الجوانب، إلا أن الوضع الأمني السوري يبقى خارج نطاق التأثير العربي الحقيقي.
لا يوجد مشروع عربي واضح لإعادة سوريا إلى حالة الاستقرار أو منع القوى الخارجية من العبث داخلها.


سابعًا: نحو أي مستقبل تتجه سوريا؟

ما لم يحدث توافق دولي على إعادة ترتيب الساحة السورية، ستبقى البلاد عرضة لعمليات شبيهة، سواء من إسرائيل أو من أي قوة ترى لنفسها حق التدخل.

ومع كل عملية جديدة، تتآكل السيادة أكثر، ويزداد اليأس الشعبي، ويظل الدم السوري أرخص من أن يوقفه بيان أو اجتماع طارئ.


خلاصة نقدية

التوغّل الأخير وما أسفر عنه من سقوط 13 روحًا ليس حدثًا معزولًا، بل حلقة في سلسلة طويلة من عمليات تؤكد أن سوريا لم تعد لاعبًا في أرضها بقدر ما هي ساحة لتصفية حسابات الآخرين.

وإسرائيل – التي تتحرك منذ سنوات بلا كلفة تقريبًا – تستثمر هذا الضعف لفرض قواعد جديدة، ليس فقط على سوريا، بل على الإقليم بأكمله.

والمؤسف أن من يدفع ثمن هذه الاستراتيجيات ليس قادة ولا جيوشًا…
بل سوريون بسطاء وجدوا أنفسهم وسط صراع لا يعرفون بدايته ولا تبدو له نهاية.

    email this

0 comments:

إرسال تعليق

تعليقاتكم وملاحظاتكم تسرنا