




ومثلما كان النضال هو الطريق الوحيد لاثبات الذات لدى الفلسطينين بعد تعذر الاتفاقيات التي عقدت في الازمان والاماكن السابقة والتي يستحيل ان تنجح في ظل وجود محتل لارضك حتى بعد ملايين السنين كان هنالك ايضا بعض العثرات لدى بعض الشخصيات التي عاصرت الصراع الفلسطيني ودرات الشكوك حولها وحول ولاءاتها وتم توجيه اتهامات مباشره لها مثل رئيس السلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات واسماعيل هنية وحتى محمود عباس ابومازن ويا ترى ما سبب هذا الاتهام والتشكيك في الشخصيات الفلسطينية؟ .
ولم يقتصر الاتهام على من ذكروا سابقا بل وصل الى اتهام الشعب الفلسطيني نفسه بالخيانه وبيعهم الوطن وتنازلهم عنه للاسرائيلين مقابل شيكلات بسيطه او بعض الامتيازات والوعود بالحياة الرغيدة في ظل الاحتلال الصهيوني ، ومما زاد تأكيدا لتلك الاتهامات هو ظهور اشخاص من السلطه ومن الشعب في وسائل الاعلام وهم يتحدثون عن الوضع ويؤكدون الحاصل ويقذفون التهم يمنه ويسره .
ولو فرضنا ان هنالك اشخاصا باعوا القضيه وتاجروا بها فلا ينبغي التعميم على كل الشعب وقاداته وجميع حركاته وافرعها الجهاديه والسياسه لان هنالك نضالا ودفاعا ومقاومة لم ولن تنتهي طالما بقي فلسطيني على هذه الارض المباركة حتى اليوم الموعود الذي تحدث فيه المعركة الكبرى.
ولو اقتربنا من الواقع الفلسطيني وراجعنا السنوات الماضيه وما دار فيها من احداث لا تعد ولا تحصى لعرفنا سبب تلك التهم وما هو الصحيح منها وما هو الملفق ولقد اجتهدت في جمع بعض الاسباب من خلال اطلاعي على العديد من المصادر الموثوقه وبعض المقاطع المسجله في المواقع الاخباريه المتهمه بالشأن الفلسطيني وتوصلت الى بعض النتائج ومنها :
الاموال التي يتحصل عليها المشاركين من الهدايا والدعم تجلب الشك وتثير الشبهات خاصه عندما نرى اثر هذه الاموال على كثير من الاشخاص وتغييرها لمجرى حياتهم التي كانت حياة عاديه لا صرف فيها ولا بذخ الى حياة تشابه حياة الاثرياء المسرفين الذين يحصلون على كل مايريدونه في لمح البصر ويقتنون اغلى المركبات والسلع ويصرفون من دون تفكير وبتبذير مبالغ فيه .
ولو راجعت الداعمين لهؤلاء لرايت ان اغلبهم في سن المراهقه او الشباب ولا يمتلكون الاموال التي يحتاجونها لدعم هذا المشهور او ذاك بل ان اغلبهم مازال يحصل على مصروفه من والده وهنا يكمن السر الذي يحتاج الى كشف من اين يتحصل هؤلاء الداعمين على الاموال وهم لا يملكونها اصلا ؟ وهل ما يحدث خطه تم وضعها بالتنسيق بين المشهور الغير مشهور وبين الداعم ؟ وهذا هو الاحتمال الاكيد لان هنالك داعمين يتميزون عن غيرهم وتراهم يتواجدون في اغلب ما يسمى بالبثوث بل ان المشاركين ينتظرون قدومهم لانهم يدعمون بقوه ويختارون الملصقات والهدايا الثمينه فقط والتي تتحول بعد ذلك قيمتها الى حساب الشخص المشهور او المشارك في البث والذي يفوز في التحدي السخيف الذي يحدث بين المشاركين .
وقد وصلت الينا معلومات من مصادر موثوقه واستمعنا الى اعترافات من بعض الاشخاص الذين كانوا يستخدمون هذا البرنامج ان الاموال التي تنشر وتوزع بدون حساب لهذا المشهور او ذاك يكون بعضها او اغلبها مصدره طرق غير مشروعه كغسيل الاموال وتجارة الممنوعات يتم تسويقها او تمريرها عبر البرنامج هذا وغيره من البرامج المشابهه لاجل اسقاط الشبهه عنها وحتى لا يتم لفت النظر على الشخص الداعم والمدعوم .
الطرق الملتويه التي بها تكسب الاموال موجودة منذ فتره طويله ولكن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لهذا الغرض امر جديد وخطير يحب الحذر والتحذير منه لانه امر يؤثر الاشخاص والدول ويؤثر على الاقتصاد والتنميه في اي دولة ويضرب الامن بشكل خاص ويتسبب في زعزعة الاوضاع ويربك الاستقرار في اي مكان .
واذا استمتعت الى المحادثات التي تدور والمواضيع التي تطرح تجد ان الاغلب ما هي الا تفاهات وامور تخدش الحياء وان وصلت الامور الى ارقى مستوياتها فإن الردح والتنابز بالالقاب والسب والاهانه والاستهزاء يكون محتوى هذا البث وللأسف الشديد اظهر هذا البرنامج العديد من الاشخاص على حقيقتهم القذره وساهم في خلع الفتيات للحياء بشكل نهائي ونشر الرذيله من دون خوف او رادع من الله تعالى بل ان التباهي برفع الصوت واستخدام الالفاظ التي يخجل منها الرجال اصبح امرا يميز بعض الفتيات عن غيرهن وزاد من شهرتهن وجعلهن من المميزات وصار لهؤلاء عشاق ومتابعين يعرفون موعد البث ويسجلونه في روزنامة مواعيدهم .
وقاحه مباشره واختلاط وضحكات لا حشمه ولاحياء ولا احترام لوقت أو مناسبه او دين هذا ما حصلنا عليه من البث المباشر في موقع التيك توك ناهيك عن المقاطع الخليعه التي يصورها هذا المشهور او ذلك المشترك ويعرض فيها كل شخص منهم مفاتنه او انه يتصرف تصرفات تزعج كل ذي عقل او انه وهذه الطامه الكبرى يستهزا بالدين واركانه وفروضه ويأخذ الامر على انه مزحه وضحك .
ومن الامور التي تزعج في هذا البرنامج خروج نوعيات مختلفه من العاهات التي تنشر السم والرذيله وتنشر الافكار التي تضر بالمجتمعات التي تعاني اصلا من المشاكل الاخلاقيه فمثلا خرجت لنا بعض الاربعينيات والخمسينيات اللاتي اصابهن الخرف و اشتهرن بسلاطه اللسان واستحلال الالفاظ المحرمه والوقاحه التي يرونها جرأه وحرية راي وبدأن بالحديث في الامور الاجتماعيه وتوجيه النصائح والتوجيهات وهن في امس الحاجه الى تلك النصائح اكثر من غيرهن وان وجهت لهن نصيحه فإن ردودهن تكون أكثر وقاحه وصدق المولى جل وعلا حين قال : (( اتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم )) .
وهنالك صنف اخر ظهر ايضا وهم اولئك الذين يرتدون ثوب الدين ويتحدثون بلسان العلماء في برنامج اغلبه عهر وفحش ومواضيع تافهه تضر ولا تنفع بل ان اغلبهم يشاركون في البثوث مع نساء من النوعيه الاولى او حتى الفتيات الصغار وهذا الامر فيه تشويه كبير لصورة الدعاة والملتزمين وخاصه ان كان هنالك تلفظ وتصرف لا يجوز في البث وان فرضنا ان القصد هو النصيحه والدعوه وتوضيح الحق للمتواجدين ولكن الطريقه والاسلوب المستخدمان في هذا المكان والاماكن المشابهه له يجب ان تكون مختلفه لان هذا المجتمع الافتراضي بيئته غير مهئيه لتقبل نصح او وعظ وعلى العكس والنقيض هي مهيئه لاستقبال اي امر اخر مخالف للدين لانها صنيعه وفكروانتاج اناس لا دين لهم ولامله وان كنا نريد استخدامها بطريقتهم فيجب ان نتماشي معها وهذا للاسف ما يحصل ولا انكر انه بالامكان تغيير التوجه الذي سارت عليه هذه البرامج بطريقتنا وبمبادئنا الصحيحه وبالابتعاد عن الاهداف المدمره التي وضعت لها هذه المنصات ولكن هل هنالك من يريد ترك بصمه منيره في برنامج يتم استخدامه في دولنا العربيه لغرض الفحش والرذيله ؟ .
جوابي على التساؤل السابق هو نعم يوجد هنالك اشخاص ينيرون اجواء هذا البرنامج المظلمه ولكنهم قله وهم محاربون في بيئه العهر والتحلل من الدين الموجوده في التيك توك والدعم الموجه لهم قليل جدا لانه منصب على المهرجين والعاهرات وقليلو الادب واصحاب التصرفات الوقحه نسأل الله الهدايه لشبابنا وبناتنا ونسأل الله ان يحفظهم من شر البثوث والداعمين والاموال المشبوهه ويجعل ما يقدمونه من محتوى لخدمة الدين وليش لهدمه والتأثير على الشباب والفتيات بشكل سلبي انه ولي ذلك والقادر عليه .

لذا نشاهد كبار المواطنين مولعين بالنصائح والتوجيهات، وهي تصدر من قلوب وأرواح خبيرة، تجدهم ينصحون أطفالهم باستغلال أوقاتهم الاستغلال الأمثل والصحيح، ويرددون: الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، لكننا لا نصغي لكلماتهم ولا ننتبه للكنز الذي تحتويه جملهم، إلا بعد فوات الأوان.
معظم أطفالنا يمضون وقتهم في أمور لا طائل منها ولا فائدة من ورائها، وهم في الحقيقة يفقدون فرصاً كبيرة من النجاح والتعلم وزيادة خبراتهم وتحصين مستقبلهم.
توماس أديسون، له كلمة جميلة قال فيها: لا يجب أبداً إضاعة الوقت في اختراع أشياء لن يشتريها الناس.
الكثير من المشاكل التي نقع فيها هي نتاج قلة الخبرة وعدم المهارة في التعامل مع المواقف والأحداث بشكل سليم وصحي، هل من بيننا من سأل لماذا تنخفض المشاكل التي تنتج عن كبار المواطنين؟ بمعنى كلما زاد عمر الإنسان ستلاحظ أن نسبة المشاكل في هذه الفئة تقل وتنخفض، ودون دراسات وبحوث يمكن رصد مثل هذا الواقع، لا يعود السبب لقلة أعداد كبار المواطنين، فهم موجودون وهم الخير والبركة، لكن لأنّ هناك سبباً آخر يتمثل في الخبرة والمهارة الحياتية التي اكتسبوها من التجارب التي مرت بهم والمواقف التي تعرضوا لها، هذه المواقف هي من تجعل كبار المواطنين أكثر حكمة وهدوءاً في التعامل والرد على كل حدث أو مشكلة تعترض طريقهم، مشاكل وصعوبات الحياة هي من صقلتهم وعلّمتهم كيفية التعامل ومعالجة كل ما يعترض طريقهم.
كل هذا النضج والحكمة ما هي إلا بمثابة سلعة تم اكتسابها -شراؤها - عندما تم دفع الثمن وهو مضي العمر، وكما قال المؤلف المسرحي البريطاني توم ستوبارد: العمر ثمن باهظ جداً لتدفعه ثمناً للنضوج. لذا أنصح الجميع خاصة فئة الفتيات والشباب، بالاستئناس بآراء كبار السن في كل خطوة وفي كل قرار، استشيروهم فلن تخيبوا وتندموا، ولكل أم وأب، إذا أردت لأطفالك التميز وسعة التفكير أجلسهم دائماً مع كبار المواطنين، إنهم كنز لا يقدر بثمن.

ومن اهم الامور التي قدمتها لنا هذه الوسائل هي اللقاءت المباشره التي يتم طرح فيها مواضيع للنقاش والحوار ويكون المتصدرين لهذا الحوار أناس لا توجد لديهم ثقافه واساسات الحوار قواعده واغلبهم يناقش ويتفلسف في مواضيع ليست له اي درايه بها وهذا الامر قد يؤثر على شريحه كبيبره من المتلقين والمتابعين خاصه ان كانوا يستقبلون هذه الاطروحات والافكار من هذا المشهور او ذاك من دون مراجعه او بحث عن الحقيقه ومن هذا المنطلق نشرت الكاتبه المميزه فاطمه المزروعي في عمودها في جريده البيان مقالا عن هذا الموضوع بعنوان " ما الذي تفعله مواقع التواصل ؟ "جاء فيه:
نعتاد في كثير من الأحيان على بعض الممارسات بشكل يومي، بل وتتحول لجزء من يومنا ومن تفكيرنا، وننسى أن هذه العادة قد تشبه بطريقة أو أخرى الإدمان، فنحن نسلم بها ونستخدمها دون تنبه لآثارها، أو للكيفية التي يمكن أن نستغني عنها فيما بعد، وكما يقال كأننا نلف حول أعناقنا حبلاً ونشده.
الكثير من الناس يبدي رأيه، في مواقع التواصل الاجتماعي، ويدلي بهذا الرأي أيضاً في الحوارات، أياً كان نوعها، وهذا جميل، فكل واحداً منا لديه رأيه الخاص، ولكن من الذي يستخدم مهارة إبداء الرأي؟
يجب علينا قبل التحدث في موضوع ما، وقبل إبداء الرأي أن نكوّن معلومات حول الموضوع، أن ندرسه ونفهمه، وتحديد الأفكار الرئيسية وإعطاء أدلة عنه، لنكون مقنعين، ثم إذا طرحت رأيك ولم يعجب الآخرين، أو لم يتفقوا معك، فلا مشكلة، أن تقبل رفضهم. وللأسف باتت مثل هذه التطبيقات مصدراً حيوياً وهاماً ووحيداً لدى الكثيرين، مصدراً للمعلومات وللمعارف وللخبرات الحياتية ولآخر الأنباء، وهذه التطبيقات ليست بريئة أو منزهة عن العيوب، بل توجد بها ثغرات ومن خلالها تتسرب بعض الأمور السلبية كالشائعات والأخبار المغرضة وأيضاً ممارسات غير قويمة وسيئة بكل ما تعني الكلمة، والخطر الأفدح أن مثل هذه التطبيقات بين يدي حتى الأطفال، ولكم أن تتخيلوا مقاطع الأفلام أو الصور أو الأكاذيب التي تتسرب لذهن الطفولة.
كثير من خبراء التقنية وصفوا هذه التطبيقات بأنها معلومات متاحة وغير مشفرة ولا خصوصية لها، وأنها تتجاوز الحدود ولا قيود عليها، وعدوا هذا مكمن الخطر الحقيقي. نحن بحاجة لمراجعة شاملة لمثل هذا الموضوع، دعوة لمزيد من الدراسات العلمية والاجتماعية والتربوية لقياس الأثر والعلاج، لا أكثر ولا أقل.

أحداث كثيره حدثت في الاسابيع الماضيه في مختلف مناطق العالم وفي كل قاراته انطلاقا من الحرب المستعره في اوكرانيا والتي يبدو انها ستطول وستزداد نارها اشتعالا اكثر واكثر طالما يوجد عناد روسي واصرار اوكراني على عدم الرضوح والتسليم لبوتين وجيشه .
وصولا الى سيرلانكا وما حدث فيها من احداث وهروب الرئيس السيرلانكي من دولة الى اخرى بعد احتجاج الشعب على الاوضاع الاقتصاديه المترديه في هذا البلد.
الى احتجاجات الارجنتين وقبل هذا كله استقاله رئيس الوزراء البريطاني والاضطراب الذي احدثه هذا القرار وغيرها الكثير من الاحداث السياسيه التي تطرق لها الكاتب محمد يوسف بطريقته المختصره واسلوبه الجميل في مقالة بتاريخ 13/06/2022 تحت عنوان:
الاضطرابات عمّت القارات، سريلانكا كانت مقدمة الأحداث في آسيا، وما حدث فيها يقدم صورة سوداوية لما يمكن أن تشهده دول كثيرة تعيش أوضاعاً شبيهة بالوضع السريلانكي الذي وصل إلى إسقاط الدولة برئيسها ورئيس وزرائها، عقاباً لهما على إيصال الأمور إلى حافة الإفلاس للدولة التي كانت مستقرة منذ سنوات طويلة، والآتي في آسيا سيكون أشد خطورة، فليس كل أصحاب السلطة في الدول النامية مستعدين للهرب عبر سفينة أو مروحية، بعضهم قد يحول الاحتجاجات إلى مذابح.
وفي أمريكا اللاتينية خرجت المسيرات المطالبة بوقف ارتفاع الأسعار وتدهور الأوضاع الاقتصادية في الأرجنتين، ومتوقع أن تتبعها دول أخرى، وفي أوروبا كانت المسيرات تطالب برحيل رئيس الحكومة الإيطالية ومن معه، وبريطانيا العظمى التي تعهدت بعدم سقوط أوكرانيا في يد الروس سقط رئيس وزرائها، تخلى عنه أتباعه، رفعوا أيديهم عنه حتى يتحمل نتيجة إدارته ولا يسحبهم إلى الهاوية، والجنيه الإسترليني يتداعى، والركود يكشّر عن أنيابه، والأسعار تتصاعد، والأعمال تتوقف، وأوروبا تتحسّر يومياً على قيمة اليورو، الذي بدأ يلامس سعر الدولار، وليس مستغرباً لو هبط إلى الأدنى ليزيد تأزم الناس هناك وتمتلئ الشوارع في العواصم المرفهة سابقاً بمئات الألوف من المطالبين بإسقاط الفاشلين.
والولايات المتحدة لم تسلم من تلك التداعيات، رغم أنها ما زالت تكابر، وتعتبر نفسها منتصرة في أوكرانيا لأنها لم تسقط طوال فترة العدوان الروسي، لكنها في الوقت نفسه تقول إن الركود الاقتصادي على الأبواب، والروس أيضاً يعانون من نقص ملحوظ في احتياجاتهم، ومن القوة الشرائية المنخفضة لديهم. عالم يذهب ضحية صراع خفي يستخدم فيه الغير حطباً لإشعال النار، والهدف إثبات أي «الديوك» هو الأقوى، حتى لو احترق الجميع، فالمهم لديهم أن تخرج الولايات المتحدة وروسيا بأقل الخسائر.

ألم يطرح عليك أصدقاؤك أو حتى زملاؤك في العمل، ذلك السؤال (كيف تحتمل كل ما تمر به بكل هذا الهدوء، من أين تأتي ببرودة الأعصاب؟) والذي يفصح عن حسد ربما، أو استغراب.
وإعلان فشل من الجانب الآخر في التعامل مع ظروف الحياة الصعبة. فبماذا تجيبهم؟ ألا تجد نفسك ما أن تسمعه أمام أمرين غالباً؟ تبتسم أو تضحك بصوت مسموع كأنك تقول بشكل آخر هكذا أحتمل الحياة، بينما تهمس بينك وبين نفسك: ليتهم يدركون الحقيقة! لقد تربينا على أيدي سيدات حكيمات، عركن الحياة وعركتهن، واحتملن الكثير وصبرن، وعبرن صراط المصاعب والتحديات بنجاح، هؤلاء منحننا الكثير من الأسرار، ليس على طريقة النصائح والأوامر وافعل ولا تفعل، ولكن بالمعاينة المباشرة، بالتجربة، بالمشاهدات اليومية التي كانت عيوننا وحواسنا تتفتح عليها مكونة لنا خزاناً ومعيناً من التجارب.
هؤلاء اللواتي كنا نعرف مقدار ما يعانينه سراً خلف الأبواب، في الوقت الذي يظهرن أمام الآخرين مبتسمات، حافلات بالحياة وضاجات باللون والضحك دون شكوى أو تذمر و.. هؤلاء علمننا تلك الصلابة التي بقدر ما حفرت في داخلنا أنفاقاً بقدر ما منحتنا أذرعاً صلبة ومجاديف قوية لنعبر بحر الحياة بأمان.
كانت جدتي تردد دائماً (الناس عليها بالظاهر) أي أنهم يحكمون عليك من ظاهرك، فقدم لهم ما يجعلهم يعتقدونك قوياً صلباً مبتسماً وخالياً من الهموم، لا تطلعهم على مفاتيح ضعفك، اجعل تلك المفاتيح أسرارك ولا تلقها في أي مكان، أما والدتي فكانت تقول: الناس لا تترك أحداً في حال سبيله (فإن رأوك في خير حسدوك، وإن وجدوك في شر ضحكوا عليك) فلا تمنحهم الفرصتين واقتصد في إظهار حقيقتك في الحالتين: في العسر واليسر معاً، كي تجتنب شرورهم!
أما أنت فستظل على سذاجتك أحياناً برغم ما تقدمه لك الحياة من عبر، وستدرك في كل مرة تنسى فيها دروسك، تقتنع أنه كلما زاد العمر ازداد عدد الحمقى في حياتك، وأنك مهما حاولت سيعتبرك بعضهم أحمق كما لا تتصوّر! كما ستدرك أنه لا يوجد شخص مكتمل تضع فيه كل ثقتك، وأنك لو فعلت ذلك وخذلك لن يكون ذلك خطأه أبداً سيكون خطأك وحدك!

الذي يحدث في كثير من أرجاء عالمنا العربي، هو أنه يحدث صراخ وتعصب مقيت، ويصل هذا جميعه لحالة غريبة من التسفيه وإلقاء التهم، ولعل مواقع التواصل الاجتماعي، خير شاهد وتحمل دلالات مثل هذه الغوغائية، ورغم هذا عندما تقرأ من يعلق بعد أن ينسحب أحدهم من معمعة الشتم والتحقير التي تعرض لها، وقام بحظر أو إلغاء المتابعة ليكف نفسه شرور الكلمات اللاذعة القاسية التي تعرض لها، تجد أن من شتمه وسفه، متبجحاً ويقول بزهو: لقد انسحب بعد أن أسكتته الحجج التي سقتها عليه، ولم يجد أمامه أي وسيلة للرد، وعرف أنه صاحب ضلالة وأنه على خطأ.
وفي الحقيقة الطرف الآخر انسحب ليس لأنه على خطأ، لكنه لم يتمكن من الهبوط لنفس المستوى الأخلاقي في الحوار، ولا يستطيع أن يستخدم نفس المفردات اللغوية المتواضعة، لذا أدرك الخطأ بالحديث والحوار مع شخص يفتقد المهارة الأخلاقية والإنسانية لممارسة هذا الفعل الحضاري، لذا انسحب، الآخر الذي لا زال في غيه، لا يفسر هذا الصمت على أنه احتجاج على سوء أخلاقه وتواضع تربيته، لكنه يعتبره انتصاراً له، وهذه المعضلة الحقيقية التي نشاهدها دوماً، وهي التي تجعل هؤلاء على درجة عالية من التبجح الغبي.
بقلم :فاطمة المزروعي