الثلاثاء، 30 ديسمبر 2025

Published ديسمبر 30, 2025 by with 0 comment

الوعي الخليجي بين ثقافة الخلاف وثقافة التفاهم: قراءة في التاريخ والواقع

 

الوعي الخليجي بين ثقافة الخلاف وثقافة التفاهم: قراءة في التاريخ والواقع

الوعي الخليجي بين ثقافة الخلاف وثقافة التفاهم: قراءة في التاريخ والواقع




مع اتساع النقاشات الخليجية في الفضاء الرقمي، تتكرر حالة من الخلط بين الخلاف السياسي الطبيعي وبين تصويره كأزمة وجودية أو انقسام حتمي. هذا الخلط لا يعكس حقيقة التجربة الخليجية، ولا يتوافق مع تاريخ طويل من إدارة الخلافات بالحوار والتفاهم.

فالثابت في التجربة الخليجية أن نقاط الاتفاق دائمًا أكثر من نقاط الاختلاف، وأن الخلاف، مهما بلغ، ظل محكومًا بسقف البيت الخليجي.


أولًا: كيف نفهم الخلاف في السياق الخليجي؟

الفرق الجوهري بين الوعي والانفعال، أن:

  • الوعي يرى الخلاف جزءًا طبيعيًا من العمل السياسي.

  • بينما يفسّره الانفعال بوصفه انهيارًا أو قطيعة.

التجربة الخليجية أثبتت أن الخلافات:

  • لا تُدار عبر التصعيد الإعلامي.

  • ولا تُحل بالقفز إلى الاستنتاجات.

  • بل تُعالج عبر التفاوض والوساطة والآليات المشتركة.

وهذه ليست قراءة نظرية، بل واقع تاريخي موثّق.


ثانيًا: شواهد تاريخية على إدارة الخلاف الخليجي

شهدت العلاقات الخليجية محطات اختلاف حقيقية، لكنها لم تتحول إلى صدام دائم، ومن أبرزها:

  • تأخر الاعتراف السعودي بالإمارات حتى عام 1974، إلى أن حُلت الخلافات الحدودية بالتفاوض.

  • مواقف متباينة من حرب اليمن 1994، ورغم ذلك استمر التنسيق الخليجي.

  • اختلاف دول الخليج في الموقف من الحرب العراقية الإيرانية، حيث دعمت السعودية والكويت العراق، بينما اتخذت دول أخرى مواقف أكثر حيادًا، دون أن يؤدي ذلك إلى قطيعة.

  • الخلاف العُماني–الإماراتي حول بعض المناطق الحدودية، والذي حُلّ بالوساطة السعودية والتفاوض.

  • النزاع البحري بين قطر والبحرين (1978–1999)، الذي انتهى باتفاق رسمي بعد سنوات من الحوار.

هذه النماذج تؤكد أن الخلاف لم يكن يومًا نقيض الوحدة، بل جزءًا من مسارها.


ثالثًا: لماذا يُساء فهم العلاقات الخليجية اليوم؟

يرتبط سوء الفهم بعدة عوامل، أبرزها:

  • الاعتماد على خطاب إعلامي استقطابي.

  • تجاهل السياق التاريخي للتجربة الخليجية.

  • قراءة العلاقات من زاوية الشعارات لا المصالح.

بينما الواقع يشير إلى أن العالم لا يحترم دول الخليج لغياب الخلافات، بل لاحترامه قدرتها المستمرة على إدارتها دون تفكك.


رابعًا: ما الذي يمنح الخليج ثقله الحقيقي؟

بعيدًا عن النفط والطاقة، يحظى الخليج باحترام دولي لأنه يمتلك:

  • منظومة مؤسسية للعمل المشترك.

  • إرثًا طويلًا من الوساطات الداخلية.

  • ثقافة سياسية قائمة على التفاهم لا المغالبة.

ولهذا بقي مجلس التعاون قائمًا رغم كل التحديات.


خامسًا: القيادة والوعي الشعبي

ترسّخت ثقافة التفاهم بفضل:

  • قيادات آمنت بالحوار كخيار استراتيجي.

  • وشعوب أدركت أن الاستقرار مصلحة جماعية.

وقد عبّرت أقوال ومواقف قادة الخليج تاريخيًا عن هذا النهج، مؤكدين أن المصير المشترك أقوى من الخلافات الظرفية.


خاتمة

إن قراءة العلاقات الخليجية من منظور انفعالي أو شعاراتي تُفقدها معناها الحقيقي. أما قراءتها من خلال التاريخ والوقائع، فتؤكد أن الخلاف لم يكن يومًا تهديدًا للبيت الخليجي، بل اختبارًا لقدرة هذا البيت على الصمود.

ومع التحولات الإقليمية المتسارعة، تبقى الحاجة ملحّة إلى خطاب عقلاني يرسّخ الوعي، ويُعيد الاعتبار لثقافة الحوار، بعيدًا عن المبالغة أو التخوين.

فالخليج لم يُبنَ على وهم الانسجام الكامل، بل على واقعية الاختلاف وإرادة التفاهم.

    email this

0 comments:

إرسال تعليق

تعليقاتكم وملاحظاتكم تسرنا