صوماليلاند ومضيق باب المندب: لماذا تحوّلت دولة غير معترف بها إلى بؤرة صراع دولي؟
رغم أنها كيان غير معترف به دوليًا، عادت صوماليلاند (أرض الصومال) لتتصدر المشهد الإقليمي والدولي، بعد أن تحوّل موقعها الجغرافي الحساس عند مضيق باب المندب وخليج عدن إلى ورقة استراتيجية تتنافس عليها قوى كبرى، أبرزها إسرائيل، الولايات المتحدة، إثيوبيا مقابل رفض واضح من مصر وتركيا والصين ودول الاتحاد الإفريقي.
فما قصة صوماليلاند؟ ولماذا أصبح الاعتراف بها قضية أمن قومي إقليمي ودولي؟
ما هي صوماليلاند؟ ولماذا لا يعترف بها العالم؟
صوماليلاند كيان يعلن نفسه دولة مستقلة، لكنه:
-
غير معترف به دوليًا.
-
لا يملك عملة أو جواز سفر معترفًا بهما عالميًا.
-
لا يتمتع بعضوية في الأمم المتحدة أو الاتحاد الإفريقي.
ورغم ذلك، تدير صوماليلاند شؤونها الداخلية منذ عام 1991، وتمتلك مؤسسات سياسية وانتخابات منتظمة مقارنة بجنوب الصومال (الصومال الفيدرالي).
الميزة الوحيدة الحاسمة لصوماليلاند هي موقعها الجغرافي، إذ تطل مباشرة على مضيق باب المندب، أحد أهم الممرات البحرية في العالم، والبوابة الجنوبية للبحر الأحمر.
الجذور التاريخية: من دولة مستقلة إلى وحدة قسرية
-
في 26 يونيو 1960: استقلت صوماليلاند عن بريطانيا، وكانت أول كيان صومالي يتحرر من الاستعمار، وحظيت باعتراف 34 دولة.
-
في 1 يوليو 1960: استقل جنوب الصومال عن إيطاليا.
بدافع القومية الصومالية، بادرت صوماليلاند طوعًا بالوحدة مع جنوب الصومال، رغم أنها كانت دولة مستقلة ذات سيادة.
لكن الوحدة تمت بشروط فرضها الجنوب، شملت السيطرة على الحكم والسلطة السياسية، وهو ما قبلته صوماليلاند على أمل إعادة توحيد الشعب الصومالي.
التهميش والمجازر: بداية الانفصال
خلال سنوات الوحدة:
-
تم تهميش شمال الصومال (صوماليلاند).
-
انعدمت التنمية والخدمات.
-
تركزت الميزانيات في الجنوب.
ومع وصول الجنرال محمد سياد بري إلى الحكم، تصاعد القمع، وارتُكبت مجازر مروعة، أبرزها:
-
قصف مدينة هرجيسا (عاصمة صوماليلاند) بالطائرات والمدفعية.
-
مقتل أكثر من 200 ألف شخص.
-
تهجير ما يزيد على 800 ألف مدني.
هذه الأحداث دفعت سكان صوماليلاند إلى تشكيل الحركة الوطنية الصومالية، والدخول في حرب انتهت بسقوط نظام سياد بري، وإعلان استقلال صوماليلاند مجددًا عام 1991.
لماذا لم يُعترف بصوماليلاند بعد 1991؟
رغم نجاحها في فرض الاستقرار، رفض المجتمع الدولي الاعتراف بها، خوفًا من:
-
تشجيع الحركات الانفصالية في إفريقيا.
-
تفكك الدول ذات التكوين الهش.
وهكذا بقيت صوماليلاند دولة بحكم الأمر الواقع، دون اعتراف رسمي.
لماذا عاد ملف صوماليلاند الآن؟
السبب الرئيسي هو الجغرافيا السياسية:
-
السيطرة على مضيق باب المندب تعني التحكم في:
-
أمن البحر الأحمر.
-
حركة التجارة العالمية.
-
أمن قناة السويس.
-
لهذا السبب:
-
إثيوبيا عرضت الاعتراف مقابل الحصول على ميناء.
-
الولايات المتحدة تدرس إنشاء قاعدة جوية.
-
إسرائيل أعلنت اعترافها رسميًا، وتسعى لإقامة قواعد استخباراتية وعسكرية.
لماذا تعارض مصر وتركيا والصين الاعتراف بصوماليلاند؟
أولًا: مصر
-
أي وجود عسكري معادٍ في باب المندب يهدد قناة السويس.
-
إسرائيل، بعد دعم إثيوبيا في سد النهضة، تفتح جبهة ضغط جديدة على مصر من الجنوب.
ثانيًا: تركيا
-
تمتلك أكبر قاعدة عسكرية خارج أراضيها في جنوب الصومال.
-
تعتبر الصومال حليفًا استراتيجيًا.
-
تخطط لبناء قاعدة فضائية بقيمة 6 مليارات دولار.
-
أي تفكيك للصومال يهدد نفوذها ومصالحها.
ثالثًا: الصين
-
تخشى أن يشكل الاعتراف بصوماليلاند سابقة سياسية تشجع تايوان على الاستقلال.
-
عارضت أي تقارب بين صوماليلاند وتايوان، وضغطت على مقديشو لمنع الاعتراف بها.
الاتحاد الإفريقي: الخوف من عدوى الانفصال
تعاني دول إفريقية عديدة من حركات تمرد وانفصال، مثل:
-
نيجيريا
-
الكاميرون
-
أنغولا
-
إثيوبيا
لذلك يرفض الاتحاد الإفريقي الاعتراف بصوماليلاند، حتى لو كان تاريخها مختلفًا.
إسرائيل وصوماليلاند: ما الهدف الحقيقي؟
الاعتراف الإسرائيلي لا ينفصل عن:
-
توسيع النفوذ في البحر الأحمر.
-
مراقبة اليمن والحوثيين.
-
الضغط على مصر عبر سياسة الإغراق الأمني (فتح جبهات متعددة).
إسرائيل، وفق هذا المنظور، تعيد رسم خريطة النفوذ في المنطقة، ضمن ما تسميه الشرق الأوسط الجديد.
هل تعترف الولايات المتحدة بصوماليلاند؟
الموقف الأمريكي متذبذب:
-
إدارات أوباما وبايدن رفضت الاعتراف.
-
ترامب يميل للاعتراف، بدعم من اللوبي المؤيد لإسرائيل.
لكن الاعتراف الأمريكي يعني:
-
توتر العلاقات مع مصر وتركيا.
-
دفع الصومال للتحالف مع الصين وروسيا.
-
فتح ملف قديم لا تزال واشنطن تتجنبه منذ حادثة مقديشو 1993 (Black Hawk Down).
الخلاصة: لغم استراتيجي في باب المندب
قضية صوماليلاند لم تعد مسألة انفصال محلي، بل تحوّلت إلى:
-
صراع على الممرات البحرية.
-
اختبار لتوازنات الأمن الإقليمي.
-
ورقة ضغط كبرى في البحر الأحمر.
مضيق باب المندب اليوم لا يقل أهمية عن قناة السويس، وأي تهديد له هو تهديد مباشر للأمن القومي المصري والعربي.
السؤال المفتوح:
كيف ستتعامل الدول المتضررة مع هذا التحول؟
وهل يتحول الاعتراف بصوماليلاند إلى شرارة صراع إقليمي جديد؟

0 comments:
إرسال تعليق
تعليقاتكم وملاحظاتكم تسرنا