الجمعة، 26 ديسمبر 2025

Published ديسمبر 26, 2025 by with 0 comment

الهجوم الإعلامي على السعودية والإمارات: بين نقد المشروع وسقوط الخطاب في فخ الأيديولوجيا

 

الهجوم الإعلامي على السعودية والإمارات: بين نقد المشروع وسقوط الخطاب في فخ الأيديولوجيا

الهجوم الإعلامي على السعودية والإمارات: بين نقد المشروع وسقوط الخطاب في فخ الأيديولوجيا




في السنوات الأخيرة، تصاعدت على منصات التواصل موجات من النقد الحاد الموجّه إلى السعودية والإمارات من جانب بعض اليوتيوبرز والمؤثرين، وفي مقدمتهم الناشط المصري عبدالله الشريف، إلى جانب آخرين من الساحة العربية الرقمية. لكن السؤال الذي يستحق وقفة تأمل عميقة هو:
هل هذا النقد تعبير عن “كلمة حق في وجه سلطان جائر” كما يروّج البعض، أم أنه جزء من منظومة فكرية وأيديولوجية تتجاوز النقد المشروع إلى ما هو أبعد؟

لنبحث في هذا السؤال من زوايا متعددة: السياسي، التاريخي، الاجتماعي، والإعلامي.


أولاً: نقد السلطة… حق مشروع أم فخ سياسي؟

ليس هناك من يغفل أن النقد – بما هو آلية ضرورية للمساءلة وتحقيق الإصلاح – حق شرعي يكفله العقل السليم والدين قبل القانون. في أي مجتمع صحي، يجب أن يكون هناك مساحة معقولة للتعبير عن الرأي، وتوجيه الملاحظات للحاكم والمجلس والسلطة التنفيذية.

السؤال هنا: هل الخطاب الذي يوجهه بعض اليوتيوبرز، مثل عبد الله الشريف، نقدًا موضوعيًا قائمًا على تحليل دقيق للسياسات، أم أنه في كثير من الأحيان يقفز إلى استراتيجيات استفزازية تستثمر الأخطاء أو الخلافات لتجييرها أيديولوجيًا؟

الإجابة ليست بسيطة، لكنها تتطلب قراءة في أسلوب الخطاب نفسه:

  • غالبًا ما يلتفت هؤلاء المؤثرون إلى أخطاء فردية أو مواقف سيئة هنا أو هناك، ثم يقومون بتعميمها على بنية النظام ككل.

  • يعملون بأسلوب القطيعة: تحديد “أعداء” و”أهداف”، وتوجيه الخطاب كأنه معركة أيديولوجية أكثر منه نقاشًا حضاريًا.

  • كثيرًا ما يستخدمون لغة حادة واستفزازية تجذب جمهورًا معينًا، لكنها في الوقت نفسه ترتد عليهم في صورة انفعال وعداء.

هل هذا نقد بنّاء؟ أم تجيير للنقد لخدمة منظومات أيديولوجية أوسع؟


ثانياً: الخلفية الأيديولوجية… بين التحرري والمحارب

لا يمكن فصل هذا الخطاب عن الخلفيات الأيديولوجية التي تربط بعض الناشطين بمنظومات فكرية سياسية، خصوصًا تلك التي ترى في السلطة العربية – وبالأخص السعودية والإمارات – جزءًا من مشروع عالمي أو إقليمي يجب مواجهته.

من أبرز هذه الخلفيات:

1. التيار الإخواني والمنظومات المقاربة

الحركة الإخوانية – التي صنّفتها العديد من الدول منظمة إرهابية (بما فيها السعودية والإمارات ومصر) – لديها رؤية سياسية متسقة تتمثل في رفض النظم القائمة واعتبارها انحرافًا عن المشروع الإسلامي السياسي. وهذه الرؤية تخرج من إطار النقد المعقول إلى إطار الصراع الإيديولوجي.

عندما يرتبط خطاب بعض اليوتيوبرز بأطروحات قريبة من تلك الرؤية، فإن النقاش يتحول من نقد سياسات إلى اجتثاث مشروع سياسي كامل، وأحيانًا إلى تناحر مع الدولة كمؤسسة أمن واستقرار.

2. المؤثرون والخطاب الاستفزازي

من يراقب أساليب عبد الله الشريف وغيره يجد:

  • تركيزًا على الصدام بدل الحوار

  • لغة “إما معنا أو ضدنا”

  • تقديم حدث فردي كمؤشر عام على بنية كاملة من “الفساد والظلم”

وهذا يقود إلى تقويض ثقافة النقاش العقلاني، ويعطي مساحة أكبر لمنظومات فكرية متطرفة تستثمر الانزعاج الشعبي لأهداف أوسع.


ثالثاً: حبس العلماء… بين الأمن العام وحق التعبير

ثمة ملف شائك آخر هو سؤال حبس العلماء أو الدعاة الذين يُتهمون بـ”التحريض” أو “زعزعة الأمن”.

هنا أيضًا نحتاج تمييزًا دقيقًا:

✔️ ما الذي تصنّفه الدول كتحريض؟

الدولة ترى أن:

  • الخطاب الذي يدعو للتطرف

  • الدعوات للعنف

  • التحريض على الفتنة بين طوائف المجتمع
    كلها أمور تتجاوز حرية التعبير إلى اعتداء على الأمن العام.


✔️ العلماء الذين سُجنوا… ما القصة؟

بعض العلماء الذين وُجهت إليهم اتهامات لم يكونوا فقهاء دعويين صريحين فقط، بل كان خطابهم في مراتٍ عديدة يحمل صبغة استقطابية أو توتيرية، مما دفع السلطات إلى اعتبار ذلك تهديدًا لاستقرار المجتمع.

لكن…
هل هذا يعني إسكات كل صوت ناقد؟
هل كل عالمٍ يعبر عن موقف سياسي يُعد إرهابيًا؟
الإجابة لا. هناك فرق بين:

  • النقد الفكري والسياسي
    و

  • الخطاب التحريضي الذي يدعو للانقسامات والصدام الداخلي.

النظام الذي يحارب الإخوان في كثير من الدول ليس محليًا فقط، بل منظمة سياسية تمتلك بنية فكرية وسياسية واضحة، وقد كانت سببًا في اضطرابات داخل أكثر من بلد عربي، ما يجعل تعامل الدولة معها في سياق الأمن الوطني جزءًا من منطق الدولة، وليس فقط قمعًا للآراء.


رابعاً: جمهور المؤثرين… ضحية أم شريك؟

أحد أخطر ما يحدث اليوم هو أن الجمهور نفسه يُستغل عبر خطاب مبسط وسريع:

  • فيديوهات قصيرة

  • عناوين استفزازية

  • تحفيز الغضب والانفعال
    بدلًا من التحفيز على الفهم النقدي العميق.

وهنا تظهر مشكلة أعمق:
ليس فقط أن بعض المؤثرين قد يتصرفون بمنطق أيديولوجي، بل أن الجمهور يحبذ هذا الأسلوب لأنه يقدّم له الراحة النفسية في الانفعال وليس الجهد العقلي في التفكير.

هذا ما يجعل الخروج من دوامة الصدام الرقمي صعبًا.


خامساً: متى يكون النقد فعلاً كلمة حق؟

العلاقة بين المواطن والنظام يجب أن تبنى على:

  • نقد قائم على الحقائق

  • مقترحات إصلاح بناءة

  • احترام مؤسسات الدولة وأمن المجتمع

  • وعي بأضرار الخطاب الاستفزازي

النقد الحقيقي لا يصنعه من يصرخ فقط، بل من يعرض:

  • مشكلة واضحة

  • تحليلًا منطقيًا

  • حلاً واقعيًا
    بدون إثارة الكراهية أو الدعوة للانقسام.


سادساً: الخلاصات الأساسية

🔹 نقد السياسات ليس خطيئة، بل حق مشروع.
🔹 لكن عندما يتحوّل خطاب الناشط من نقد إلى استقطاب، يصبح جزءًا من مشكلات أكبر.
🔹 تصنيف التنظيمات أو العلماء كتهديد أمني يجب أن يستند لقواعد واضحة لا لمزاج سياسي فقط.
🔹 السوشيال ميديا ساحة ليست محايدة: الجمهور يقبل ما يشبهه في فكره قبل أن يكون منطقيًا.
🔹 الدولة تتحمل مسؤولية الأمن العام، لكن المجتمع يتحمل مسؤولية وعيه النقدي.


خاتمة

الهجوم على السعودية والإمارات من بعض اليوتيوبرز لا يمكن اختزاله في عبارة بسيطة مثل “كلمة حق” أو “سقوط في فخ المؤامرة”.
بل هو مزيج معقد من النقد المشروع، والاستفزاز الأيديولوجي، وصراع على النفوذ الرقمي، في عالم باتت فيه قوة التأثير لا تقل أهمية عن قوة القرار الرسمي.

النقد الذي يرتقي بالمجتمع هو الذي:
✔ يستند للحقائق
✔ لا يحرض على الصدام
✔ يقترح حلولًا
✔ يحترم ثوابت المجتمعات واستقرارها

أما النقد الذي يسقط في فخ الإثارة والانفعال… فهو سلاح ذو حدين قد يستفيد منه خصوم الأمة أكثر مما يخدم الوطن.

    email this

0 comments:

إرسال تعليق

تعليقاتكم وملاحظاتكم تسرنا