
حياة القصور خلف ركام سوريا
كيف كشف تحقيق غربي زيف “الزهد” في بيت الأسد؟
بينما كانت المدن السورية تتحول إلى أنقاض، ويُدفع ملايين السوريين إلى النزوح والفقر، كانت الدائرة الضيقة المحيطة ببشار الأسد تعيش واقعًا آخر لا يشبه سوريا إلا بالاسم. واقعٌ من الرفاهية المفرطة، والاستثمارات العابرة للحدود، وأسلوب حياة أقرب إلى نخب المال العالمية منه إلى بلد محاصر ومنهك.
هذا ما كشفه تحقيق موسّع أعدّته **نيويورك تايمز** وسلّطت الضوء عليه **قناة الجزيرة**، كاشفًا جزءًا من الوجه المخفي لنظام طالما حاول تسويق نفسه كـ«ضحية حرب» لا كطرف مستفيد منها.
إمبراطورية صامتة خلف الواجهة
بحسب التحقيق، لم تكن عائلة الأسد ومقرّبوها يعيشون تحت وطأة العقوبات كما يُشاع، بل نجحوا في بناء **شبكة مالية معقّدة** تمتد من الشرق الأوسط إلى أوروبا، مستفيدين من أسماء وهمية وشركات واجهة وحسابات خارجية.
قصور فاخرة، شقق في أحياء راقية، حسابات مصرفية بملايين الدولارات، ونمط حياة لا يعرف التقشف، كل ذلك جرى في الوقت الذي كان فيه السوري العادي يصطف لساعات من أجل ربطة خبز أو ليتر وقود.
أسماء أقل شهرة.. لكن أكثر نفوذًا
لا يقتصر المشهد على بشار الأسد وأفراد عائلته المباشرين، بل يشمل مجموعة من **رجال الأعمال والوسطاء** الذين تحوّلوا إلى واجهة اقتصادية للنظام. هؤلاء لعبوا دور “الخزنة السرية”، فكانوا يتحركون بحرية أكبر، يوقّعون العقود، ويستثمرون الأموال، بينما يبقى الاسم الرسمي بعيدًا عن الواجهة.
التحقيق أشار إلى أن هؤلاء لم يكونوا مجرد مستفيدين، بل **جزءًا أصيلًا من منظومة الحكم**، حيث اختلطت السلطة بالمال، وتحولت الحرب نفسها إلى فرصة تراكم ثروات.
العقوبات؟ عبء على الشعب فقط
إحدى أكثر النقاط فجاجة في التحقيق هي أن **العقوبات الدولية لم تُصِب مركز السلطة بقدر ما أصابت السوريين أنفسهم**. فبينما كان المواطن يدفع الثمن في حياته اليومية، كانت النخبة الحاكمة قادرة على الالتفاف على القيود بوسائل قانونية وشبه قانونية.
وهنا يتبدد الخطاب الرسمي الذي طالما حمّل الخارج مسؤولية الانهيار الاقتصادي، في حين تكشف الوقائع أن الجزء الأكبر من الثروة لم يغادر أيدي المتنفذين يومًا.
سردية “الصمود” تحت المجهر
لطالما قدّم النظام نفسه كحارس للدولة في وجه “مؤامرة كونية”، لكن ما يفضحه التحقيق هو أن **خطاب الصمود كان موجّهًا للفقراء فقط**. أما في القصور والمكاتب المغلقة، فكانت الحسابات مختلفة: كيف تُدار الأموال؟ كيف تُحمى الاستثمارات؟ وكيف يستمر نمط الحياة مهما كان الثمن في الداخل؟
لماذا يهم هذا الكشف الآن؟
لأن إعادة تعويم النظام سياسيًا، أو الحديث عن “عودة سوريا” إلى المشهد الإقليمي، لا يمكن فصله عن هذه الحقائق. فالدولة التي يُراد التعامل معها ليست دولة منهكة فقط، بل **منظومة حكم راكمت ثروتها فوق جماجم شعبها**.
التحقيق لا يقدّم مجرد أرقام أو أملاك، بل يقدّم **إدانة أخلاقية وسياسية** لرواية استمرت سنوات، ويعيد طرح السؤال الجوهري:
من دفع ثمن الحرب فعلًا؟ ومن خرج منها رابحًا؟
خلاصة
ما كشفته نيويورك تايمز، ونقلته الجزيرة، ليس تفصيلًا عابرًا، بل قطعة أساسية من فهم ما جرى في سوريا. فحين تُدار الدولة كملكية خاصة، وتُستثمر المأساة كصفقة، يصبح الحديث عن “وطن” مجرد شعار، فيما الحقيقة تُكتب في دفاتر البنوك وقصور الخارج.
0 comments:
إرسال تعليق
تعليقاتكم وملاحظاتكم تسرنا