السبت، 20 ديسمبر 2025

Published ديسمبر 20, 2025 by with 0 comment

يهود ضد إسرائيل: حين تنقلب العقيدة على المشروع الصهيوني

 

يهود ضد إسرائيل: حين تنقلب العقيدة على المشروع الصهيوني

يهود ضد إسرائيل: حين تنقلب العقيدة على المشروع الصهيوني




ليس كل من يعتنق اليهودية صهيونيًا، وليس كل من يعيش داخل القدس المحتلة مؤمنًا بدولة إسرائيل. هذه حقيقة يحاول الكيان الإسرائيلي طمسها منذ عقود، لأنها تهدم السردية التي قام عليها مشروعه الاستعماري: أن “اليهود شعب واحد” وأن إسرائيل تمثلهم جميعًا.


لكن الواقع، كما تكشفه الوقائع التاريخية، أكثر تعقيدًا… وأكثر إحراجًا لإسرائيل.


في قلب القدس المحتلة، وتحديدًا في أحد أحيائها الدينية المغلقة، يوجد شارع يقطنه يهود متدينون، شارع لا يجرؤ الجيش الإسرائيلي على دخوله بسهولة، وإن دخله خرج منه مثخنًا بالحجارة والرفض. هناك، يعيش يهود يرفضون إسرائيل، ويقفون عقائديًا وسياسيًا في صف الفلسطينيين، ويعتبرون الصهيونية خروجًا صريحًا على أوامر الرب قبل أن تكون اعتداءً على شعب أعزل.

الطفل الذي هزّ إسرائيل من الداخل

في مطلع ستينيات القرن الماضي، انفجرت داخل إسرائيل قضية بدت في ظاهرها “خطف طفل”، لكنها في حقيقتها كانت قنبلة سياسية وأمنية كادت تشعل حربًا أهلية بين اليهود أنفسهم.

الطفل “يوسِل شمخر” لم يكن طفلًا عاديًا، بل حفيد أحد أبرز الحاخامات اليهود المتشددين المعادين للصهيونية، المقيمين في القدس. حين حاولت والدته – ذات التوجه العلماني – استعادته بعد سنوات من تربيته الدينية الصارمة، رفض الجد تسليمه، معتبرًا أن تسليمه لوالديه يعني “إفساده بالصهيونية والعلمانية”.

ما لم تكن إسرائيل تتوقعه، أن الطفل سيُهرَّب خارج البلاد بالكامل، في عملية أذلت المنظومة الأمنية الإسرائيلية من الميناء إلى المطار.

امرأة واحدة… وأجهزة مخابرات عاجزة

المرأة التي نفذت العملية لم تكن فلسطينية ولا عربية، بل فرنسية تدعى مادلين فري، ستُعرف لاحقًا باسم روث بن ديفيد.
دخلت إسرائيل وخرجت منها بطفل ليس ابنها، مستخدمة أبسط الوسائل، مستغلة ثغرات النظام، وسذاجة أجهزة الأمن في ذلك الزمن.

الموساد، الذي طاردها عبر خمس دول أوروبية، فشل في انتزاع أي اعتراف منها. فشلت المراقبة، فشل التحقيق، فشل الضغط النفسي، حتى إن كبار محققي الموساد اقتنعوا ببراءتها… إلى أن كُشف السر في اللحظة الأخيرة:
الطفل لم يُخفَ، بل أُعيد تشكيل هويته بالكامل.

كانت صفعة مدوية لجهاز طالما قدّم نفسه كأذكى أجهزة الاستخبارات في العالم.

لماذا ارتعبت إسرائيل؟

لأن القضية لم تكن طفلًا فقط.

الجد الذي خُطف حفيده كان من رموز التيار الديني اليهودي الرافض لإسرائيل، والتيار هذا – بعكس ما تروّجه تل أبيب – موجود منذ ما قبل قيام الدولة، وسبق حتى الهولوكوست.
هؤلاء اليهود يرون أن إقامة دولة إسرائيل مخالفة صريحة للعقيدة اليهودية، وأن الصهيونية حركة سياسية علمانية استخدمت الدين غطاءً لاحتلال الأرض وتهجير شعبها.

هؤلاء هم من سيُعرفون لاحقًا باسم حركة ناتوري كارتا – “حراس المدينة” – الذين يرون أنفسهم حراسًا للقدس من الصهاينة، لا شركاء لهم.

صهيونية ضد يهودية… صراع قديم

منذ المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897، انقسم اليهود:

  • فريق رأى في الصهيونية خلاصًا سياسيًا.

  • وفريق ديني اعتبرها تمردًا على الوصايا الإلهية.

اليهود المتدينون استندوا إلى “الأقسام الثلاثة” في التلمود، التي تحرّم:

  1. الهجرة الجماعية بالقوة إلى القدس

  2. التمرد على أمم الأرض

  3. ظلم الآخرين

ويرون أن إسرائيل انتهكت الأقسام الثلاثة دفعة واحدة.

لهذا لم يكن غريبًا أن يختار ياسر عرفات الحاخام موشيه هيرش – أحد رموز ناتوري كارتا – مستشارًا له، ولا أن تعلن حماس صراحة أن صراعها مع الاحتلال لا مع اليهود كدين.

مادلين فري… من مقاومة النازية إلى فضح الصهيونية

مادلين لم تكن مغامِرة عابرة.
خلال الحرب العالمية الثانية، شاركت في المقاومة الفرنسية ضد النازيين، وساهمت في إنقاذ أطفال يهود من معسكرات الموت.
لكن المفارقة التي قلبت حياتها، أنها رأت لاحقًا في الصهيونية صورة معكوسة من النازية: اضطهادٌ باسم الضحية، واحتلالٌ باسم الخلاص.

لهذا رفضت التعاون مع الموساد، وفضّلت أن تعيش في القدس، بين اليهود المعادين لإسرائيل، وعلّقت على باب منزلها عبارة تختصر القصة كلها:

“أنا يهودية… ولست صهيونية”

الحقيقة التي تخشاها إسرائيل

إسرائيل لا تخشى الفلسطيني فقط.
تخشى أن يُكسر الاحتكار الأخلاقي لروايتها، وأن يظهر للعالم أن:

  • الصراع ليس دينيًا

  • اليهود ليسوا كتلة واحدة

  • وأن الاحتلال مرفوض حتى من داخل البيت اليهودي نفسه

وهنا يبرز السؤال الحقيقي، لا لإسرائيل فقط، بل للعالم كله:

هل المشكلة مع اليهود؟
أم مع الصهيونية كنظام احتلال وعنصرية؟

سؤال يعرف الفلسطيني إجابته منذ زمن…
لكن إسرائيل ما زالت تهرب منه.

    email this

0 comments:

إرسال تعليق

تعليقاتكم وملاحظاتكم تسرنا