الاثنين، 7 يوليو 2025

Published يوليو 07, 2025 by with 0 comment

الإعجاز البلاغي والهندسي في قصة ملكة سبأ: تحليل دلالة قوله تعالى (وكشفت عن ساقيها)

وكشفت عن ساقيها

 الإعجاز البلاغي والهندسي في قصة ملكة سبأ: تحليل دلالة قوله تعالى (وكشفت عن ساقيها)


تعد قصة ملكة سبأ مع نبي الله سليمان عليه السلام من أثرى القصص القرآنية التي تحمل دلالات بلاغية ومعمارية عميقة. من أبرز النقاط التي يتوقف عندها المفسرون هي تفسير دلالة قوله تعالى: (وكشفت عن ساقيها). هذه الحركة العفوية التي سجلها القرآن الكريم تحمل مغزى يتجاوز الوصف السطحي، ليرسخ قواعد الاحتشام والفطرة السليمة، ويكشف عن عظمة الإعجاز الهندسي الذي أذهل الملكة.

 

 سياق الآية: الانبهار الهندسي وراء الحركة العفوية

جاءت ملكة سبأ إلى سليمان عليه السلام لمفاوضات سياسية، لكنها فوجئت بالصرح الذي أمر سليمان ببنائه. كان هذا الصرح الممرد من قوارير شفافاً للغاية، وأُجري الماء من تحته، مما جعل الناظر إليه يحسبه لُجّةً أو بحراً عميقاً.

تفسير قوله تعالى (وكشفت عن ساقيها):

  1. رد فعل فطري وعفوي: إن رد فعل الملكة كان غريزياً؛ حيث ظنت أنها ستخوض الماء، فرفعت ثيابها بشكل لا إرادي لتجنب البلل. القرآن سجل هذه الحركة لشدة انبهارها بالعمل الهندسي العظيم، والذي جعل الزجاج يبدو كأنه ماء سائل.

  2. دليل على قوة العرض السياسي: الملكة جاءت بعقلها وقوتها التفاوضية، ولم يكن هدفها إغراء سليمان. هذا الانبهار اللحظي جعلها تنسى الأصول التي تؤمن بها، لتدرك مباشرة بعد تنبيهها عظمة قوة وقدرات هذا النبي.

 الدلالة البلاغية: الاحتشام هو الأصل

يسجل القرآن هذه الحادثة لتأكيد حقيقة أساسية: إن الملكة، رغم أنها كانت كافرة في تلك اللحظة، كانت ملتزمة بالستر. فحركة كشف الساقين كانت ناتجة عن اعتقادها بوجود الماء (لسبب عملي)، وليست بقصد التعري أو الإغراء.

  • إن النص القرآني ﴿وَكَشَفَت عَن ساقَيها﴾ هو في حد ذاته دليل على أن الأصل هو التستر والاحتجاب. فلو كان كشف الساقين أمراً عادياً في مجتمعها أو نية مقصودة منها، لما استدعى الأمر التسجيل القرآني لهذه الحركة المفاجئة.

 الانبهار الحضاري وتأثيره على القيم

إذا كانت ملكة سبأ قد كشفت عن ساقيها في لحظة انبهار بالإعجاز الهندسي والمعماري، فإن هذا الانبهار اللحظي يمكن أن يجد له نظيراً في عصرنا الحالي.

تتأثر المجتمعات المعاصرة بموجات حضارية وتقنية قوية. وفي هذا السياق، قد يجد البعض نفسه منبهراً بالثقافة الغالبة أو بالموضات الدارجة التي تروج لقيم جديدة أو مغايرة. يكمن التحدي في قدرة الفرد على التمييز بين التقدم الحضاري المفيد وبين التبعية التي قد تطغى على العقل الواعي أو القيم الراسخة، وهو ما يذكرنا بلحظة ملكة سبأ عندما استسلمت لشدة المشهد حتى أعلنت في النهاية: ﴿إني ظلمت نفسي وإني أسلمت مع سليمان لله رب العالمين﴾. فالانبهار مهما بلغ، يجب أن ينتهي إلى إدراك الحقيقة الأساسية والقيمة العليا.

Read More
    email this

السبت، 5 يوليو 2025

Published يوليو 05, 2025 by with 0 comment

دور دول الخليج العربي: حصانة الموقف وعطاء لا ينضب في قضايا الأمة


دور دول الخليج العربي: حصانة الموقف وعطاء لا ينضب في قضايا الأمة 


لا يمكن لأي متابع عاقل أو منصف أن ينكر الدور المحوري والإيجابي الذي قامت به، وما زالت تقوم به، دول الخليج العربي منذ نشأتها. هذه الدول ذات السيادة كان لها بصمات واضحة في أبرز الأحداث التي مرت بها الأمة على مر التاريخ.


قد تختلف مع سياسات الإمارات أو السعودية أو قطر أو الكويت أو عمان أو البحرين، إلا أن واقع الحال يجبرك على الإقرار بأن هذه الدول صاحبة فضل ودور إيجابي كبير على عدد ليس بالقليل من دول العالم.

1. لماذا تتعرض دول الخليج للهجوم؟ 

إن الهجمات التي تُشن على دول الخليج، أو على بعضها، وتحاول شيطنتها وجعلها مصدرًا للفتن التي أصابت أمتنا، ونعت حكامها بأوصاف سلبية، هي في الحقيقة دليل على نجاح هذه الدول.

وكما يقال في المثل: "لا تُرمى بالحجارة إلا الشجرة المثمرة".

المؤسف أن جل هذه الهجمات تأتي من الأقربين، وممن يجب أن يكونوا في صف الأخوة والدعم. كثير من المهاجمين عاشوا على أرض الخليج، وتمتعوا بخيراتها، وتلقوا دعماً كبيراً منها. إن حياة جزء كبير منهم قامت بفضل الله ثم بفضل دول الخليج العربي التي يهاجمونها الآن، وهذا مثال واضح على الفجر في الخصومة.

نماذج من الهجوم: مصر وفلسطين كأمثلة على نكران الجميل 

  • من الشقيقة الكبرى: غالباً ما يأتي جزء من هذا النقد من جمهورية مصر الحبيبة، الشقيقة الكبرى التي تشترك مع دول الخليج في تاريخ مشرف ومواقف لا يمكن إنكارها. للأسف، يركز بعض ذوي التوجهات المعارضة، وخاصة من يحملون أيديولوجيات غير متوافقة مع خط الاعتدال، على مهاجمة دول الخليج إرضاءً لأجندات خارجية وبحثاً عن مصالحهم الخاصة. لقد نسوا التاريخ المشترك عندما سُمح لهم بالانصهار في خطط التطور والنماء الخليجية، وحين انكشف مسعاهم لتسميم الأجواء، كان طبيعياً إبعادهم.


  • من أرض فلسطين: تتعرض دول الخليج للنقد أيضاً من بعض الأصوات في فلسطين، بالرغم من الدور الكبير الذي قامت به، وما زالت تقدمه، لدعم القضية الفلسطينية. مع الأسف، يتم تداول هذا النقد على المنابر ومنصات التواصل الاجتماعي، وهو أمر غير منصف. إن أي خطوة تطبيعية لبعض الدول الخليجية هي شأن خاص يدخل في باب البحث عن المصالح والمنافع السياسية، وهو لن يضر عدالة القضية الفلسطينية أو التمسك بحق الشعب الفلسطيني في وطن مستقل.


2. التحدي الإقليمي: مواجهة التوغل والنفوذ الخارجي 

لم تسلم دول الخليج العربي من نيران الحقد الإيراني، الذي توغل في دول عربية مثل العراق، اليمن ولبنان.

لقد لعب نظام الملالي بذكاء على الوتر المذهبي والعقائدي، مما أضر بهذه الدول من الداخل وأشعل الصراعات فيها. كان دور دول الخليج العربي يتمثل دائماً في:

  • تقريب القلوب والآراء بين الأشقاء.

  • التركيز على اللحمة الوطنية والتعاون الداخلي.

  • إخراج الدخلاء من المشهد الداخلي لتلك الدول.

بالرغم من قوة التوغل الإيراني، إلا أنه لم يكن مستحيلاً. نحن نشهد اليوم الكثير من التغيير في المشهد الداخلي في لبنان والعراق، وسيأتي الدور على اليمن. الهدف هو أن تعود هذه الدول إلى الفكر المعتدل والمحب لكل ما هو عربي ومسلم، رافضة أي إملاءات أو تعليمات تأتيها من الخارج.

3. درس القوة والمصلحة: كيف غيَّر الخليج سياساته 

منذ تأسيسها، سارت دول الخليج على سياسات تركز على التطور، النماء، والنأي بالنفس عن المشاكل والحروب، حفاظاً على مكتسباتها. هذا النجاح جعلها للأسف مطمعاً للكثيرين.

  • مشكلة القوة العسكرية: أصبحت دول الخليج تُرى أحياناً على أنها دول غنية وضعيفة عسكرياً يمكن ابتزازها واستغلالها للحصول على مكاسب، خاصة في ظل غياب رؤية موحدة وآليات تعاون مشتركة شاملة.

  • الصدمة التاريخية: حتى العراق، التي تلقت دعماً خليجياً كبيراً في حربها مع إيران، غدرت بالكويت بغزو مفاجئ، مما أدى إلى نتائج كارثية على جميع الأطراف.

تغيير السياسة نحو الكرم المشروط 

كان الكرم والجود والعطاء جزءاً أصيلاً من عادات وتقاليد دول الخليج. لكن هذا الكرم اصطدم مرات عديدة بنكران الجميل والغيرة من بعض الحكومات والشعوب، وحتى من دول عالمية حاولت استغلال الثروة الخليجية لتمويل أجندات خاصة.

في عالم اليوم، حيث لا يعترف اللاعبون الدوليون إلا بالقوة والمال، بدأت دول الخليج تفهم الدرس:

  1. تغيير سياسة العطاء: أصبح العطاء والمساعدات للدول التي تحتاج بالفعل والتي لن تتسبب في معاداة الخليج لاحقاً.

  2. التعامل بحذر: التعامل مع الأطراف التي يخشى منها الغدر والخيانة أصبح وفق ضوابط وحدود صارمة.


الخاتمة: طريق الاكتفاء الذاتي والمستقبل المشرق 

لقد فهمت دول الخليج العربي الدرس وبدأت في تغيير سياساتها والبحث عن حلفاء أقوياء تبنى العلاقات معهم على التطوير وتقوية الذات وتبادل المنافع، وليس على المصالح الأحادية كما كانت العلاقة مع بعض القوى الغربية.

يكفي دول الخليج فخراً أنها الكيان المتحد الوحيد الثابت في المنطقة، رغم الظروف الأخيرة التي حاولت زعزعة صفوه. الآن، وبعد انكشاف الأقنعة، أصبح لزاماً على المنظومة الخليجية العمل على:

  • وحدة شاملة في شتى المجالات.

  • تحقيق الاكتفاء الذاتي في كل القطاعات الحيوية.

دول الخليج قادرة، بمساعدة الأشقاء والأصدقاء، على الحفاظ على أمنها وتعزيز موقعها كقوة إقليمية وعالمية ذات تأثير.

Read More
    email this

الاثنين، 2 يونيو 2025

Published يونيو 02, 2025 by with 0 comment

من الأيتام إلى القادة: كيف نستغل موسم الحج ومنصات التواصل لتوحيد صف الأمة؟

 

كالايتام على مائدة اللئام

من الأيتام إلى القادة: كيف نستغل موسم الحج ومنصات التواصل لتوحيد صف الأمة؟ 



واقعنا اليوم مؤلم. يبدو وكأن الأمم تكالبت علينا، وتقاسم الطامعون والمُغرضون أراضينا. هذا المشهد الصعب جعلنا في وضع أشبه بما يُوصف بـ "كالأيتام على موائد اللئام".


لقد أصبحت أرضنا مرتعاً لأجندات خارجية، وإن حاولنا الاعتراض، جُلدنا وعُذبنا وحُصرنا. البعض يسعى لإبعادنا عن ديننا وإطفاء المنارات الفكرية التي تنير طريقنا، ومن لم يستطيعوا إطفاءها حاربوها وشككوا فيها.


للأسف، دخلنا في دوامة من التناحر الداخلي، حيث انشغلنا بتوافه الأمور وسُلّط بعضنا على بعض.


1. الفرقة والهوان: ما الذي أوصلنا إلى "مائدة اللئام"؟ 

هذا الواقع مرير، ويُعتصر به القلب ألماً وتضيق به الصدور. والمؤسف أن فئة كبيرة من أبناء وبنات هذه الأمة غير مدركين لمدى فداحة المخططات التي تُحاك للقضاء على وحدتنا وكياننا.

من يدرك منهم حجم الخطر، غالباً ما يعتمد على حفظ الله ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وينسى أنه مطالب بالعمل واتخاذ الأسباب وبذل الجهد والعرق. لا يكفي ترك الأمور دون القيام بأي دور فاعل.

اليوم، في زمن المنصات الرقمية، تتوفر لدينا أدوات بسيطة يمكن أن نقوم بها دون بذل جهد ضخم. يكفي أن تمتلك قناة في أي منصة لترسل عبرها ما في خاطرك، وتدافع عن أمتك، وتلجم أفواه المتطاولين بأسلوب حضاري وموضوعي.

2. الدور المفقود للمؤثرين: الربح مقابل التوعية 

للأسف الشديد، اختار كثير من أصحاب القنوات والمؤثرين تركيز تأثيرهم على مجالات لا تخدم قضايا الأمة ولا تساهم في تعديل وضعها المائل.

اقتصر تأثير الأغلبية على الموضة، والترندات، والسوالف التافهة، والمقالب الكوميدية، وهي أمور هامشية لا تحتاجها الأمة في هذا الوقت الحرج.

  • الهدف الكبير لأغلب المؤثرين هو الكسب والربح المادي. ونحن لا نمانع في هذا طالما كان المكسب حلالاً ولا يتعارض مع الدين.

  • لكن لا يمنع أن تكسب وتربح وتستفيد، وأن تنفع أمتك ووطنك في نفس الوقت.

يمكن للمؤثر أن يخدم قضايا أمته بطريقته وأسلوبه المعتاد: بالتذكير بوجع إخواننا، بالبحث عن حلول للنهوض، وبتحفيز الشباب على الإبداع واستغلال المواهب فيما فيه رفعة الدين والأمة.

سبب تناولنا لهذا الموضوع الآن هو أن الهجمة على الأمة اشتدت، والفرقة بين الإخوة العرب والمسلمين في أوج توهجها، وتأثر الكثيرون بالجو السائد من الملهيات والمغريات.

3. موسم الحج: رسالة وحدة فوق كل الانقسامات 

بما أننا في موسم الحج، موسم العبادات المتنوعة، وجب التذكير بالمشاهد التي تمثل التقارب والاندماج بين المسلمين في أبهى وأرقى صوره. يجب أن تكون هذه فرصة لا تفوت لاستغلالها لكسر الجمود الذي يسود بين أبناء الأمة.

يجب أن نشير إلى أن المملكة العربية السعودية تتخطى الحملات المشككة التي تسبق موسم الحج في كل عام. هذه الحملات مجرد افتراءات وادعاءات باطلة، ولا تؤثر في من تحملوا أمانة خدمة الحجاج وإنجاح سعيهم في أداء المناسك على أتم وجه.

  • بلاد الحرمين باقية وشامخة بعطائها وحكامها وشعبها.

  • إن أي تجاوزات أو تغيرات في المناطق الأخرى من المملكة هو أمر لا تخلو منه أي بلد، لكن لكونها تضم المقدسات الإسلامية، تكون الأعين المسلطة على السعودية هي الأكثر في البحث عن الأخطاء والزلات.

مواجهة الحملات المشككة: الحج عبادة أم سياسة؟ 

مع قرب موسم الحج، بدأت الحملات الإلكترونية المعتادة التي تربط الحج بالصراعات الدائرة حالياً وتدعو إلى عدم أداء الفريضة.

كما انتشرت مناشدات تدعو إلى إنفاق تلك المبالغ على المرابطين بدلاً من الذهاب إلى الحج.

هذه المناشدات في رأينا لن تنفع ولن تغير شيئاً على أرض الواقع، بل ستزيد من الشحنات السلبية والفرقة. الحج عبادة عظيمة فيها منافع لا تعد ولا تحصى للمسلمين في كل العالم، وهو ركن مستقل لا يجوز ربطه بالخلافات السياسية والتحريض.

الخاتمة: لا غالب إلا الله 

إن كسر الجمود الذي يسود بين أبناء الأمة أمر صعب، ولكنه ليس مستحيلاً. لا بد من المحاولة وتبيان مدى الضرر الذي يسببه الخلاف والفرقة والتعصب للمذاهب والأحزاب والأشخاص على حساب الأمة المعذبة.

لو بدأ أولياء الأمور والقيادات الفكرية بهذا التوجه، لتبعتهم الشعوب ولخفت موجات التعصب الأعمى التي تضر ولا تنفع.

إننا جميعاً نؤمن برب واحد ونتبع نبياً واحداً ونقرأ كتاباً واحداً، ولكن فكر البشر المتقلب هو الذي يسبب هذا الخلاف. لنعمل جميعاً على الخروج من هذه الدوامة والطريق المظلم.

Read More
    email this

الاثنين، 12 مايو 2025

Published مايو 12, 2025 by with 0 comment

التحول الاجتماعي في سلطنة عمان: تحديات الحوار والمطالبة بالإصلاح

 

مساحة عمانية حرة

التحول الاجتماعي في سلطنة عمان: تحديات الحوار والمطالبة بالإصلاح 


يُقال إن الحديث الذي يخرج من القلب يصل إليه. و هذا ما لامسناه عند متابعة نقاشات عمانية حرة عبر المنصات الرقمية، حيث لاحظنا الثقافة العالية والرقي في الحوار بين المتحاورين. ومع ذلك، لمسنا أيضاً عمق التحديات الاقتصادية والضغوط المعيشية التي يعيشها جزء من المجتمع.


إن عنوان نقاش مثل: "أين الحكومة؟ الشعب يتحدث والمسؤولون يتجاهلون" هو عنوان واقعي يعكس بداية تأزم الوضع الداخلي والحاجة الملحة لتدارك الأمور.


عُمان بلد غني جداً بتاريخه وثرواته وموارده البشرية الجبارة، وشعبه يتمتع بدرجة عالية من التعليم والوعي. ولكن، إن بدأ هذا الشعب المعروف بطيبته وصبره بالتعبير عن الانزعاج والضيق بهذه الطريقة، فهذا مؤشر على ضرورة عدم إغفال التحديات المعيشية المتراكمة.


1. الثقافة العمانية: رقي الحوار وطول الأناة 

يتميز المجتمع العماني بطبيعته الهادئة وقدرته على تحمل الصعاب، وهو يوصف غالباً بأنه الأهدأ بين دول الخليج العربي. لكن هذا الصبر الطويل بدأ يقابله انقسام في طريقة التعامل مع واقع التنمية والفساد الإداري. يمكن تقسيم استجابة المجتمع إلى أربعة مسارات رئيسية:

  • المطالبون بالحقوق والملتزمون: وهم الغالبية الملتزمة بأمن البلد، لكنهم يعانون من سلب حقوقهم أو تأخرها بسبب الفساد الإداري. يكتفي هؤلاء بالتعبير في المجالس الخاصة، ويخشون التصعيد القانوني، وغالباً ما ترضيهم المسكنات اللحظية كقرارات التوظيف الجزئية أو "المنفعات الاجتماعية" الزهيدة.

  • الممجدون والمنافحون: وهم فئة تمجد في المسؤولين وتضخم من الإنجازات الصغيرة، بهدف الحصول على مكاسب شخصية سريعة. دورهم غالبًا ما يكون تزييف الحقائق وإيهام المراقب الخارجي بأن الأوضاع مستقرة تماماً.

  • المستفيدون من الامتيازات: فئة لديها وضع خاص يعيشون حياة أفضل بكثير، وينقسمون إلى:

    • أصحاب النفوذ الاجتماعي والتاريخي: فئة تنتمي إلى تيارات أو مناطق لها نفوذ تاريخي، تحصل على تسهيلات خاصة وتعتبر صاحبة صوت مسموع في مجرى الأحداث.

    • المقربون من دوائر القرار: وهم المقربون من الوزراء وذويهم، الذين تتغاضى عنهم بعض الإجراءات القانونية والإدارية، مما يسبب مشاعر الغل والقهر بين صفوف المستضعفين.

  • المعترضون الساعون للتغيير: وهم من يرفعون رايات المطالبة بالإصلاح، ويقيمون جزء منهم داخل السلطنة ويتحملون قسوة ردود الفعل الرسمية كالتضييق والمنع. بينما يختار جزء آخر الهجرة، ينقسم هذا الجزء إلى من يسعى للتغيير الشامل مع الحفاظ على هيبة رأس الدولة، ومن يتخذ من الهروب فرصة للانتقام عبر محاولات تشويه السمعة ونشر الفتنة.

2. الحاجة لجسور الثقة: ضعف قنوات التواصل 

إن حالة الاحتقان الداخلي والضيق الذي يعيشه المواطن العماني سببها الرئيسي هو عدم استماع المسؤولين وأصحاب القرار للأصوات المطالبة بالإصلاح والحقوق المشروعة.

وحتى نكون منصفين، هناك مؤشرات على خوف من نهوض شعبي، تظهر في الإجراءات المشددة التي يتم اتخاذها تجاه أي وقفات احتجاجية للمطالبة بالحقوق الأساسية (كالرواتب، السكن، القروض، حرية الرأي والتعبير). هذه الإجراءات تضاعف الشعور بالظلم، خاصة في بلد كعُمان، شعبها هادئ بطبعه وغير عدائي.

3. نحو معارضة إيجابية: من النقد إلى الحلول 

نوجه نداء إلى كل معترض في عُمان على واقع البلد، بضرورة تدارك الجوانب السلبية في معارضتهم لتصبح إيجابية ومؤثرة، ولا تقتصر على مجرد "فضفضات" على منصات التواصل.

من الأشياء السلبية التي لوحظت:

  • غياب الرؤية الواضحة: الكثير يتحدث ويعبر، لكنه لا يضع حلولاً قابلة للتطبيق أو خطة لانتشال البلد من هذا المستنقع الإداري.

  • فقر الإبداع في إيصال الصوت: ما زالت الأفكار حبيسة الجوالات ومواقع التواصل. لا توجد آليات فعالة ومبتكرة لإيصال صوت الشعب لولي الأمر أو لعموم الشعب.

الخلاصة: 

إن الكلام والتنظير والصراخ لا ينفع، بل يضر ويخلق مساحة للتصادم والمواجهة. أما الهدوء وطرح الأفكار المرتبة ذات الفائدة العظيمة والنتائج الحسنة، فهو الطريق الصحيح لتغيير الأحوال وتجاوز مرحلة الطموح إلى تحقيق الإنجاز.

Read More
    email this