.png)
.png)
.png)
**بسم الله الرحمن الرحيم**
نبدأ بالدعاء: نسأل الله أن يفرّج كرب إخواننا، وأن يحفظ الأمة من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

تُعد باكستان من أكثر الدول الإسلامية تنوعًا في الأعراق واللغات والعادات الاجتماعية، وهذا التنوع انعكس بوضوح على ملامح المجتمع وتكوينه الفكري والمعيشي. فمن يتابع أخبار هذا البلد العجيب يدرك أنه لا يكاد يمر يوم من دون وقوع حادثة لافتة أو قضية مثيرة للجدل، وكأن هذا البلد يعيش على إيقاع أحداث متلاحقة لا تنتهي.
قد يكون السبب في ذلك هو الوضع الأمني الداخلي المضطرب، إلى جانب ضعف تأثير المؤسسات الدينية والاجتماعية في التوجيه والإصلاح، على الرغم من وجود علماء أجلّاء وأصحاب رأي سديد. كما لا يمكن إغفال الفساد الإداري والمالي الذي أنهك مؤسسات الدولة، إضافةً إلى طبيعة المجتمع القاسية والعادات القبلية المتوارثة التي ما زالت تتحكم في تفاصيل الحياة اليومية، خصوصًا في قضايا الزواج والشرف والعقاب. كل هذه العوامل مهّدت الطريق أمام ظواهر غريبة تظهر بين الحين والآخر، كان آخرها ما يُعرف إعلاميًا بـ "مهدي باكستان".
محمد قاسم، مواطن باكستاني عادي ظهر فجأة في المشهد العام، وبدأ يتحدث إلى الناس مدّعيًا أنه يرى رؤى وأحلامًا تتعلق بأحداث عالمية ومحلية، بعضها تحقق — حسب قوله — وبعضها ما زال ينتظر وقوعه. ومع مرور الوقت، أخذ يوحي لمتابعيه — بطريقة غير مباشرة — بأنه المهدي المنتظر المذكور في الأحاديث النبوية، دون أن يصرح بذلك علنًا.
روّج الرجل لنفسه بذكاء، مستخدمًا وسائل الإعلام الحديثة ومنصات التواصل الاجتماعي التي ساعدته على الانتشار السريع. ومع كثرة متابعيه، بدأ البعض يُصدق رواياته، بينما اعتبره آخرون مجرد راوٍ للأحلام والمبالغات.
يرجع انتشار فكر محمد قاسم إلى عدة عوامل:
ضعف الوعي الديني العام لدى فئات كبيرة من الناس في القرى والمدن الصغيرة.
غياب دور حازم من السلطات في التصدي لمثل هذه الدعاوى قبل أن تتفاقم.
استغلال وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت من أي فكرة قابلة للانتشار الفوري.
الفراغ الروحي لدى الشباب الذي يبحث عن أمل أو مخلّص في ظل الأزمات المتكررة.
وبمرور الوقت، صار لمحمد قاسم أتباع يدافعون عنه بشدة، وينتظرون أحلامه الجديدة، ويتعاملون معها كحقائق، مما أثار قلق العلماء والدعاة الذين حاولوا تنبيه الناس إلى خطورة الانسياق خلف مثل هذه الادعاءات.
تأخرت المؤسسات الدينية في التصدي لهذه الظاهرة، إما بسبب الخشية من تضخيمها إعلاميًا أو بسبب القيود الرسمية التي تحدّ من تحرك العلماء بحرية. ومع ذلك، ظهرت أصوات علمية ناضجة حذرت من خطورة تصديق مثل هذه الدعاوى، وذكّرت الناس بأن الإيمان بالغيب لا يعني تصديق كل من يروي رؤيا أو حلمًا.
الأحاديث الصحيحة التي وردت عن النبي ﷺ تثبت أن المهدي المنتظر سيظهر في آخر الزمان بأمر من الله تعالى، وليس بناءً على رؤى أو أحلام. فقد قال رسول الله ﷺ:
«لا تقوم الساعة حتى يملك الناس رجلٌ من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، فيملؤها قسطًا وعدلًا كما مُلئت جورًا وظلمًا»
هذا الحديث الصحيح وحده كافٍ لبيان أن المهدي لا يُعرف إلا حين يأذن الله بظهوره، وأن ادعاء أي شخصٍ لهذا اللقب أو الإيحاء به ضربٌ من الضلال والفتنة التي حذر منها العلماء.
أنشأ محمد قاسم موقعًا إلكترونيًا بلغات عدة، منها العربية، يعرض فيه أحاديثه ورؤاه المزعومة، ويردّ على التساؤلات التي يطرحها متابعوه. وقد جاء فيه سؤال لافت:
هل محمد قاسم هو الإمام المهدي؟
وهو سؤال يكشف بوضوح الهدف من كل هذه الدعاية، فكيف يُطرح مثل هذا السؤال أصلًا، والمهدي لا يُعلن عن نفسه، ولا يُعرف زمانه أو مكانه إلا بعلامات محددة وردت في السنة النبوية الصحيحة؟
🔗 رابط الموقع (للاطلاع فقط):
https://muhammadqasimpk.com/ar/blog/is-muhammad-qasim-imam-mahdi
محمد قاسم ليس الأول ولن يكون الأخير ممن ادّعوا أو لمحوا إلى أنهم المهدي المنتظر، فالتاريخ الإسلامي شهد العديد من هؤلاء الذين انتهى ذكرهم دون أثر، وبقيت الحقيقة كما هي:
أن الله وحده يعلم زمن ظهور المهدي، ومتى تكون الأرض بحاجة إليه.
وعلى المسلمين جميعًا أن يكونوا أكثر وعيًا وتمييزًا، وألا يتركوا عقولهم نهبًا لمن يدّعون الكرامة أو الاصطفاء بغير دليل، وأن يعلموا أن الدين لا يُبنى على الأحلام، بل على العلم واليقين والبصيرة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هداني لزيارة بيته الحرام مجدّدًا وزيارة مدينة النبي صلى الله عليه وسلم — طيبة الطيبة — بعد غياب دام عشر سنوات. كانت الرحلة تجربة روحانية مفعمة بالحنين، وغمرتني فيها نسائم الإيمان وذكريات أهل ذلك العصر النبوي الأصيل.
خلال زيارتي رصدت جانبين متباينين: جانب يبعث على الفخر والامتنان لجهود المملكة العربية السعودية وقادتها في خدمة الحرمين الشريفين، وجانب يحتاج إلى وقفة وصياغة لتحسين تجربة الزائر. إذ لا يخفى على أحد التوسعات الضخمة والتجهيزات الهائلة التي جعلت أداء المناسك أكثر سهولة وأكثر أمانًا، مما يستحق الشكر والعرفان لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده وكافة القائمين على خدمة المقدسات.
تبدّت أمامي الجهود التنظيمية والإنشائية التي أنقذت آلاف القلوب من الازدحام وفرت بيئة ملائمة لأداء العبادات بخشوع وطمأنينة. هذه الجهود ليست بسيطة، بل تُعدّ إنجازًا يستحق الثناء من قيادة وشعب المملكة.
رغم ذلك، لاحظت أمورًا اثارت انزعاجي وأظنّ أنها تستحقُ الإصغاء والتدارك:
أسلوب التعامل مع بعض الزوّار: شاهدت حالات تشدّد في التعامل الأمني مع معتمرين بسطاء، خصوصًا من دول آسيوية وإفريقية. مثلاً، مَشهدٌ لأحد المعتمرين المسنين الذين سُحبوا بعنف أثناء أدائهم الصلاة عند الصفا والمروة؛ موقفٌ أثار استياء المشاهدين وألّبَ قلوبًا كانت في زيارةٍ للخشوع.
إن فهم خلفيات الزائرين وبيئتهم الثقافية والتعليمية يقتضي علاجًا تربويًا وتوعويًا، لا ردود فعلٍ عنيفة في كل مرة.
الجهل ببعض الآداب الشرعية: بعض الزوار يقومون بممارسات اعتادوا عليها في مجتمعاتهم ولم يعرفوا أنها قد تكون خاطئة أو مُمثلة للبدع. لذا تقع مسؤولية كبيرة على الجهات المسؤولة في بلدان الزوار لتهيئتهم قبل السفر، وعلى القائمين داخل الحرم لتقديم توجيهٍ هادئ ومؤدب.
التدافع حول الحجر الأسود: ما لاحظته من كثافة وتدافع عند مقام الحجر الأسود يسبّب اختلاطًا محرجًا بين الجنسين وإجهاداً لبعض النسوة. هذا النوع من التدافع يعرض الناس للإرهاق والإيذاء ولا يخدم روح العبادة. لقد اعتدتُ على نظامٍ وتوجيهٍ أفضل في الماضي، وأتفهّم أن الزيادة الكبيرة في أعداد الزوار والتوسعات العمرانية غيرت ديناميكية الحرم، لكن يظلّ تنظيم الدوريات، والإرشاد الصوتي، والرقابة الهادئة ضروريًا لتخفيف هذه الحالات.
تكثيف التوعية قبل الوصول: على الدول المرسلة للحجاج والمعتمرين توفير برامج توعوية مبسطة بلغات متعددة تشرح آداب وطريقة أداء المناسك، وتوضح الممارسات الممنوعة.
تدريب عنصري أكثر على التعامل الثقافي: تعزيز تدريب عناصر الأمن والمتطوعين على كيفية التعامل مع زوّار من خلفيات ثقافية مختلفة بصبر واحترام.
إدارة التدافع عند النقاط الحساسة: اعتماد آليات مرنة لتنظيم مسارات الطواف والزيارة، مع تحكيم دور مرشدين وطلاب علم مختصين للتوجيه الهادئ.
قنوات تواصل للشكاوى والمقترحات: تفعيل آليات سهلة للزوّار للتبليغ عن أي سلوك غير لائق من أي طرف، مع ضمان المتابعة والاعتذار عند الخطأ.
أُجمل ما في الزيارة أنها تذكّر الإنسان بعظمة الدين وبهجة العبادة، ومع ذلك لا يَغفل المرء الحاجة المستمرة إلى التحسين والتوجيه. أسأل الله أن يحفظ المملكة وقيادتها، وأن يبارك في جهود من يخدمون الحرمين، وأن يظل بيت الله الحرام ملاذًا للخشوع والطمأنينة. كما أدعو لجعل تجربة الزائرين أكثر إنسانيةً واحترامًا، لأن منتهى كل جهد في خدمة الحرمين هو راحة قلوب الضيوف وخشوعهم.
في مناطق مشتعلة لا تهدأ، يعيش الفلسطينيون حياة تمزج بين حب الأرض والإصرار على البقاء. هناك في غزة، حيث تختلط رائحة الدخان بصوت الأذان، يرفض الناس الخضوع رغم كل ما يواجهونه من حصار وعدوان، مرددين: كلنا مشروع شهادة من أجل كرامة الأرض والإنسان.
إنه مشهد يختصر معاني الصبر والثبات في وجه آلة الحرب التي لا تميز بين طفل وامرأة ورجل.
قد يختلف البعض مع بعض ممارسات الفصائل الفلسطينية، لكن الجميع يتفق على أن ما يعيشه الشعب الفلسطيني هو نضال مشروع للدفاع عن حقه في الحياة الكريمة، مثل أي شعب على وجه الأرض.
فعلى مدى عقود من الاحتلال، بقي الفلسطينيون نموذجًا للصبر والتحمل، يواجهون واحدة من أقسى التجارب الإنسانية في العصر الحديث، دون أن تنكسر إرادتهم أو يضعف إيمانهم بعدالة قضيتهم.
إنه ليس من السهل الحكم على من يعيش تحت القصف المستمر والدمار اليومي.
حين ينقطع عنهم الغذاء والدواء والماء، وتُدمر منازلهم فوق رؤوسهم، تخرج من أفواههم كلمات الغضب والخذلان. لكن لو وضعنا أنفسنا مكانهم، لوجدنا أن مشاعرهم نابعة من عمق الألم والإحساس بالوحدة، لا من الكفر بالقضية أو التخلي عن إخوتهم في الإنسانية والعروبة.
مع توغل الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، تواصل المقاومة – رغم ضعف الإمكانيات – إحداث أثر عميق في الميدان.
ولم يعد من الممكن إنكار حجم الصدمة النفسية التي تصيب جنود الاحتلال أنفسهم، حيث تتحدث تقارير إعلامية عن امتناع بعضهم عن القتال أو عودتهم بحالة نفسية صعبة بعد مواجهات مباشرة في مناطق القتال التي باتت تُعرف بـ"المسافة صفر".
رغم الحصار القاسي والقصف الذي لا يتوقف، يدهش الفلسطينيون العالم بثباتهم وإيمانهم.
مشاهد الأطفال الذين يبتسمون رغم الألم، والأمهات اللواتي يودعن أبناءهن بالشجاعة والإيمان، أصبحت رموزًا عالمية للصمود الإنساني.
إنها لحظات تجسد القوة الداخلية لشعب يواجه الموت بكرامة ويمنح الحياة معنى مختلفًا.
الأحداث الأخيرة كشفت للعالم الوجه الحقيقي للاحتلال. فبعد عقود من الدعاية التي حاولت تبرير ما يجري، أصبحت الصور القادمة من غزة كفيلة بتغيير الرأي العام العالمي.
خرجت المظاهرات في مدن كبرى حول العالم، رافضة استمرار العدوان، ومطالبة بوقف فوري للعنف، وبمنح الفلسطينيين حقهم المشروع في العيش بسلام وأمان.
في قلب هذه المعاناة، يسطر المقاتلون والفلسطينيون دروسًا للعالم في الصبر والإيمان والكرامة.
فهم لا يملكون الأسلحة المتطورة، لكنهم يملكون الإرادة والإيمان، ويؤمنون أن الأرض لا تُستعاد إلا بالثبات والعمل والصبر.
من بين الركام، تخرج رسائلهم إلى كل مظلوم في هذا العالم: لا تفقد الأمل، فالنصر يولد من رحم المعاناة.
ما يجري في غزة لم يعد قضية سياسية فحسب، بل أصبح اختبارًا أخلاقيًا للعالم بأسره.
فمن يقف مع الحق الإنساني، يقف مع الشعب الفلسطيني في سعيه نحو الحرية والكرامة.
ورغم الألم الكبير، فإن الأمل لا يزال حيًا في نفوس الفلسطينيين الذين علمونا أن التمسك بالأرض هو التمسك بالحياة ذاتها.

الإحراج الذي لحق بقيادة الاحتلال بعد اختراقاتٍ أظهرت ثغرات أمنية جعلت الحكومة في موقفٍ حرج أمام مواطنيها. كيف ستُعالج هذه الخسارة الرمزية؟ هل ستعود الثقة إلى منظومة الأمن بعد أي عملية عسكرية مستقبلية أم أن الشكّ والقلق سيزيدان من الضغوط الداخلية؟


لا يخفى أن النظام الدولي بات مرهونًا بمصالح متشابكة؛ فبعض الدول تتخذ مواقف داعمة للمحتلّ علنًا أو ضمنًا، بينما ترفع دول أخرى شعارات التضامن لكنها تلتزم حدود الدبلوماسية. في المقابل، تُبقى معظم المبادرات والإعلانات على مستوى الرصد والضغط الرمزي، دون آليات تنفيذية فعّالة تضمن حماية المدنيين وإيصال المساعدات.

