الخميس، 4 يناير 2024

Published يناير 04, 2024 by with 0 comment

مشاهد من الحرم: تأملات وانطباعات من زيارة روحانية

 

مشاهد من الحرم

مشاهد من الحرم: تأملات وانطباعات من زيارة روحانية


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي هداني لزيارة بيته الحرام مجدّدًا وزيارة مدينة النبي صلى الله عليه وسلم — طيبة الطيبة — بعد غياب دام عشر سنوات. كانت الرحلة تجربة روحانية مفعمة بالحنين، وغمرتني فيها نسائم الإيمان وذكريات أهل ذلك العصر النبوي الأصيل.


خلال زيارتي رصدت جانبين متباينين: جانب يبعث على الفخر والامتنان لجهود المملكة العربية السعودية وقادتها في خدمة الحرمين الشريفين، وجانب يحتاج إلى وقفة وصياغة لتحسين تجربة الزائر. إذ لا يخفى على أحد التوسعات الضخمة والتجهيزات الهائلة التي جعلت أداء المناسك أكثر سهولة وأكثر أمانًا، مما يستحق الشكر والعرفان لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده وكافة القائمين على خدمة المقدسات.


إشادات مستحقة

تبدّت أمامي الجهود التنظيمية والإنشائية التي أنقذت آلاف القلوب من الازدحام وفرت بيئة ملائمة لأداء العبادات بخشوع وطمأنينة. هذه الجهود ليست بسيطة، بل تُعدّ إنجازًا يستحق الثناء من قيادة وشعب المملكة.


ملاحظات على سلوك بعض العاملين وسلوك الزوار

رغم ذلك، لاحظت أمورًا اثارت انزعاجي وأظنّ أنها تستحقُ الإصغاء والتدارك:

  1. أسلوب التعامل مع بعض الزوّار: شاهدت حالات تشدّد في التعامل الأمني مع معتمرين بسطاء، خصوصًا من دول آسيوية وإفريقية. مثلاً، مَشهدٌ لأحد المعتمرين المسنين الذين سُحبوا بعنف أثناء أدائهم الصلاة عند الصفا والمروة؛ موقفٌ أثار استياء المشاهدين وألّبَ قلوبًا كانت في زيارةٍ للخشوع.
    إن فهم خلفيات الزائرين وبيئتهم الثقافية والتعليمية يقتضي علاجًا تربويًا وتوعويًا، لا ردود فعلٍ عنيفة في كل مرة.

  2. الجهل ببعض الآداب الشرعية: بعض الزوار يقومون بممارسات اعتادوا عليها في مجتمعاتهم ولم يعرفوا أنها قد تكون خاطئة أو مُمثلة للبدع. لذا تقع مسؤولية كبيرة على الجهات المسؤولة في بلدان الزوار لتهيئتهم قبل السفر، وعلى القائمين داخل الحرم لتقديم توجيهٍ هادئ ومؤدب.

  3. التدافع حول الحجر الأسود: ما لاحظته من كثافة وتدافع عند مقام الحجر الأسود يسبّب اختلاطًا محرجًا بين الجنسين وإجهاداً لبعض النسوة. هذا النوع من التدافع يعرض الناس للإرهاق والإيذاء ولا يخدم روح العبادة. لقد اعتدتُ على نظامٍ وتوجيهٍ أفضل في الماضي، وأتفهّم أن الزيادة الكبيرة في أعداد الزوار والتوسعات العمرانية غيرت ديناميكية الحرم، لكن يظلّ تنظيم الدوريات، والإرشاد الصوتي، والرقابة الهادئة ضروريًا لتخفيف هذه الحالات.

توصيات عملية

  • تكثيف التوعية قبل الوصول: على الدول المرسلة للحجاج والمعتمرين توفير برامج توعوية مبسطة بلغات متعددة تشرح آداب وطريقة أداء المناسك، وتوضح الممارسات الممنوعة.

  • تدريب عنصري أكثر على التعامل الثقافي: تعزيز تدريب عناصر الأمن والمتطوعين على كيفية التعامل مع زوّار من خلفيات ثقافية مختلفة بصبر واحترام.

  • إدارة التدافع عند النقاط الحساسة: اعتماد آليات مرنة لتنظيم مسارات الطواف والزيارة، مع تحكيم دور مرشدين وطلاب علم مختصين للتوجيه الهادئ.

  • قنوات تواصل للشكاوى والمقترحات: تفعيل آليات سهلة للزوّار للتبليغ عن أي سلوك غير لائق من أي طرف، مع ضمان المتابعة والاعتذار عند الخطأ.

خاتمة

أُجمل ما في الزيارة أنها تذكّر الإنسان بعظمة الدين وبهجة العبادة، ومع ذلك لا يَغفل المرء الحاجة المستمرة إلى التحسين والتوجيه. أسأل الله أن يحفظ المملكة وقيادتها، وأن يبارك في جهود من يخدمون الحرمين، وأن يظل بيت الله الحرام ملاذًا للخشوع والطمأنينة. كما أدعو لجعل تجربة الزائرين أكثر إنسانيةً واحترامًا، لأن منتهى كل جهد في خدمة الحرمين هو راحة قلوب الضيوف وخشوعهم.

    email this

0 comments:

إرسال تعليق

تعليقاتكم وملاحظاتكم تسرنا