الاثنين، 3 يناير 2022

Published يناير 03, 2022 by with 0 comment

"الغنى المؤجل": تحليل التحديات الاقتصادية والاجتماعية في سلطنة عمان

 

"الغنى المؤجل": تحليل التحديات الاقتصادية والاجتماعية في سلطنة عمان

 "الغنى المؤجل": تحليل التحديات الاقتصادية والاجتماعية في سلطنة عمان


تتمتع سلطنة عمان بمكانة فريدة كدولة خليجية ذات تاريخ عريق وإرث بحري يمتد عبر القارات. سياسياً، غالباً ما تثير سياسات السلطنة الاهتمام، حيث تتبع مساراً دبلوماسياً مستقلاً يرتكز على مبدأ "النأي بالنفس" ومحاولة لعب دور الوسيط الحكيم في نزاعات المنطقة، وهو نهج يكسبها احترام البعض، وقد يثير حفيظة البعض الآخر.

بعيداً عن السياسة، يبرز موضوع اقتصادي حيوي يحتاج إلى تحليل، وهو ما يمكن تسميته بـ "التناقض الاقتصادي العماني".


التناقض الاقتصادي: بلد غني ومواطنون في حاجة

منذ فترة، تظهر على السطح ملاحظات ومقاطع صوتية تعكس شكوى بعض المواطنين العمانيين من ضيق العيش وتحديات اقتصادية، مطالبين الحكومة بالنظر في أوضاعهم.

هنا يبرز التساؤل المنطقي: كيف يمكن لبلد خليجي يزخر بالخيرات والثروات الطبيعية أن يواجه قطاع من شعبه مثل هذه التحديات؟

قد يرى البعض أن هذه الحالات فردية ولا تمثل الشعب بأكمله، وأنها موجودة في كل بلد. هذا صحيح إلى حد ما، ولكن عندما يصبح هذا الصوت مسموعاً ومتكرراً في بلد يمتلك كل مقومات النجاح والتقدم، ويبلغ عدد سكانه رقماً يمكن استيعABه (حوالي 5.5 مليون نسمة)، يصبح من الضروري التوقف لتحليل الأسباب الجذرية لهذا التناقض. فأين تذهب عائدات تلك الخيرات؟


1. التحدي الأكبر: الفساد الإداري والمالي

أحد أهم المعوقات التي تواجهها أي دولة في طور النمو هو الفساد الإداري. لقد أدرك السلطان هيثم بن طارق هذا التحدي مبكراً وعمل على إصدار توجيهات صارمة لتجفيف منابعه.

لكن المشكلة تكمن في أن هذا الفساد قد يكون متجذراً في بعض مفاصل الدولة منذ سنوات طويلة. لذا، تتطلب مواجهته جهداً استثنائياً لا يقتصر على القوانين، بل يحتاج إلى تطبيقها بحزم على الجميع، دون مراعاة للمكانة أو المنصب، لضمان وصول الدعم لمستحقيه.


2. سوء توزيع الثروة والتباين الطبقي

النتيجة الطبيعية للفساد الإداري هي سوء توزيع الثروة. عندما تغيب آليات المحاسبة والرقابة المالية الفعالة (مثل نظام "من أين لك هذا؟")، ينشأ تباين طبقي واضح:

  • طبقة عليا: تتمتع بامتيازات خاصة ووضع مختلف عن باقي أفراد الشعب.

  • طبقة وسطى وكادحة: وهي الطبقة الأكبر التي تعمل بجد ومثابرة، ولكنها في الوقت نفسه تتحمل العبء الأكبر لأي متغيرات اقتصادية أو إصلاحات ضريبية.

إن صمت هذه الطبقة الوسطى أحياناً، خوفاً من فقدان المكتسبات، قد يمنح المستفيدين من الوضع الراهن دافعاً للاستمرار، مما يعمق الفجوة بدلاً من ردمها.


3. التعتيم البيروقراطي وغياب الشفافية

التحدي الثالث هو وجود "حاجز بيروقراطي" يمارسه بعض المتسلطين في المناصب الوسطى. هؤلاء قد يمنعون صوت المواطن الحقيقي وشكواه من الوصول إلى صانع القرار (السلطان وحكومته) الذي يسعى للإصلاح.

خشية هؤلاء المسؤولين من المساءلة قد تدفعهم إلى "تجميل" الواقع أو حتى مهاجمة أي صوت يخرج للمطالبة بحق أو رفع مظلمة، مما يؤدي إلى إخراس الأفواه التي تنطق بكلمة الحق، ويجعل الحلول دائماً قاصرة لأنها بُنيت على معطيات غير دقيقة.


4. الجمود الإداري واحتكار المناصب

من المشاكل المعقدة التي تعاني منها العديد من الإدارات الحكومية هي "الجمود الوظيفي". قد نجد مسؤولاً أمضى عقوداً في منصبه، يرفض التنحي أو التغيير خوفاً من ذهاب الامتيازات.

المشكلة الأكبر هي أنه حتى لو غادر المنصب، فإن أثره يبقى من خلال القوانين البالية والأنظمة التي وضعها. لذلك، يجب على الحكومات الذكية إشراك الشباب المتعلم والمتفتح في اتخاذ القرارات وتولي المناصب، لأنهم أبناء هذا الجيل ويدركون متغيراته، مع الاستفادة من أصحاب الخبرة كمستشارين.


خاتمة: أمل في الإصلاح بقيادة جديدة

برغم كل هذه التحديات، يبقى الأمل في التحسين والإصلاح قائماً بوجود السلطان هيثم. إن الشعب العماني يتأمل خيراً في قيادته الجديدة، وينتظر ترجمة هذه الرؤى الإصلاحية إلى واقع ملموس.

إن النهوض الحقيقي للدول والأمم لا يكون إلا بشعوبها، وليس بأصحاب الأرصدة والأفكار العقيمة. سلطنة عمان بلد غني، لكن تفعيل هذا الغنى لخدمة كل مواطن لا يزال "مع وقف التنفيذ"، بانتظار تذليل هذه العقبات الإدارية والاقتصادية العميقة.

Read More
    email this

الجمعة، 31 ديسمبر 2021

Published ديسمبر 31, 2021 by with 0 comment

الفتاوى المعاصرة: بين ثوابت الدين ومتغيرات الواقع

 
فتاوى على الهوى

 الفتاوى المعاصرة: بين ثوابت الدين ومتغيرات الواقع


يشهد المشهد الديني المعاصر ظاهرة ملفتة تتمثل في فتاوى تثير الجدل، يصدرها أحياناً شخصيات تُحسب على العلم وتنتسب لمؤسسات إسلامية عريقة. هذا الأمر يطرح تساؤلاً مشروعاً حول منهجية إصدار الفتوى في عصرنا.

هيبة الفتوى بين الماضي والحاضر

لم يكن التصدي للفتوى في العصور الماضية أمراً هيناً. كان المفتي يراجع ويتردد كثيراً قبل إطلاق حكم شرعي، لعلمه بمدى تأثير كلمته، ومسؤوليته أمام الله، ومحاسبة العلماء له إن كان في قوله مخالفة أو ما قد يحدث فتنة بين المسلمين.

نحن هنا لا نهاجم العلماء، فلهم كل التقدير والاحترام، ولكن ما نراه من تساهل ملحوظ في أمور تمس صلب الدين يجبرنا على التساؤل والتعبير عن هذا القلق. إن الفطرة السليمة والعقل البسيط يرفضان بعض ما يُطرح، دون الحاجة للتخصص العميق في العلوم الشرعية.

ثوابت راسخة وفتاوى متغيرة

لقد عاصرنا جيلاً من العلماء الثقات الذين رحلوا وبقي علمهم، فكانت دروسهم وفتاواهم واجتهاهاداتهم صافية، مستمدة من الكتاب والسنة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تَرَكْتُكُمْ عَلَى المَحجّةُ الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لا يَزِيغُ عَنْهَا إِلاَّ هَالِكٌ". وحتى إن وُجد بينهم خلاف، كان مبيناً بأصوله العلمية الواضحة.

لكن ما نشهده اليوم، خاصة مع انتشار الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي، هو جرأة من بعض المنتسبين للعلم على معارضة نصوص وأحكام شرعية واضحة، وطرح آراء صادمة على الهواء مباشرة، مما يثير البلبلة والفتنة.

مثال على التناقض: فتوى تهنئة غير المسلمين

من الأمثلة الصارخة على هذا التغير، هو موقف بعض الدعاة من مسألة "تهنئة أصحاب الديانات الأخرى بأعيادهم".

  • في الماضي: كان البعض يحذر من هذا الأمر بشدة ويعتبره من المحاذير الشرعية.

  • حديثاً: نجد الشخص نفسه يخفف من لهجته.

  • اليوم: قد يخرج ليجيز الأمر بلا تحفظ.

هذا التناقض العجيب يطرح أسئلة ملحة:

  1. أليس الثبات على مبادئ الدين من أصوله؟

  2. هل أصبحت الفتوى تتغير بتغير الزمن والعلاقات السياسية؟

  3. هل هناك ضغوط خفية تُمارس لتغيير هذه الأحكام؟

  4. أم أننا أمام منهج فقهي جديد يعيد تقييم الأمور بناءً على "فقه الواقع"؟

الحاجة إلى مراجعة وتصدي

إن هذه الظاهرة تستدعي وقفة جادة. وقد أشار إلى هذا الخطر عدد من الدعاة، مثلما جاء في حديث للداعية البحريني الشيخ حسن الحسيني حول "الفتاوى المعاصرة وتطورها"، حيث انتقد بأسلوبه الخاص غرابة بعض ما يُطرح.

إن مثل هذه الفتاوى المتغيرة تستحق التصدي لها، خاصة في عصر السرعة الذي تنتشر فيه الكلمة في ثوانٍ. نحن بحاجة لإعادة الهيبة لمنبر الفتوى، والتأكيد على أن الدين ليس خاضعاً للأهواء أو الضغوط، بل هو منهج واضح المعالم، يحتاج لمن يبلغه بأمانة وعلم.




Read More
    email this