
موجة الجسد على وسائل التواصل: حين يصبح الجمال تجارة ومتابعة
في عالم السوشيال ميديا اليوم، أصبحت الشهرة متاحة للجميع، والمحتوى متنوع لدرجةٍ تُذهل المتابع. لكن مع هذا الانفتاح، برزت ظاهرة لافتة ومقلقة في آنٍ واحد: تحويل الجسد إلى وسيلة جذب وربح، حتى صار استعراض المظهر والمفاتن أحد أسرع الطرق للحصول على الشهرة والمال.
هذه الموجة الجديدة، التي يمكن وصفها بـ “موجة الجسد”، غيّرت طبيعة استخدام المنصات الرقمية، وجعلت البعض يستغلها بطرق لا تخلو من المخاطر الاجتماعية والأخلاقية.
من “المحتوى” إلى “الاستعراض”
قبل سنوات قليلة، كانت شهرة الإنترنت تقوم على الإبداع، الكلمة، والفكرة. أما اليوم، فقد تحوّل المشهد؛ إذ أصبح الجسد أداة تسويق، والصورة المثيرة وسيلة لجذب المتابعين والإعلانات.
تطبيقات مثل سناب شات وتيك توك وإنستغرام امتلأت بمحتويات تتجاوز حدود الذوق العام والعادات الاجتماعية، تحت شعار “الحرية الشخصية” أو “الفن والإبداع”، بينما في الحقيقة تُستغل للربح السريع وجمع المتابعين بأي وسيلة.
بين الانفتاح والمسؤولية
الظاهرة ليست محصورة في بلد معين، بل أصبحت ظاهرة عالمية طغت على المحتوى العربي كذلك، حتى باتت تُؤثر على فكر الشباب ونظرتهم للقيم والحياة.
السؤال هنا:
هل الحرية في التعبير تبرر التنازل عن الأخلاق والاحترام؟
وهل الشهرة السريعة تستحق خسارة المبدأ والحياء؟
هنا تأتي أهمية التوازن بين الانفتاح والمسؤولية — أن نُدرك أن التكنولوجيا وسيلة، لا غاية، وأن من يملك ملايين المتابعين يتحمّل مسؤولية كبيرة أمام الله والمجتمع.
خطر التطبيع مع الانحراف
مع كثرة هذا النوع من المحتوى، بدأ المجتمع يتأقلم معه تدريجيًا وكأنه أمر طبيعي. الخطير في ذلك أن التكرار يولّد الاعتياد، ومع الوقت يفقد الناس الإحساس بخطورة ما يشاهدون.
فإذا لم يكن هناك وعي أسري وديني ومجتمعي، فسنرى جيلًا يعيش داخل فقاعة من المقارنات الشكلية والاستعراضات الفارغة.
دور الأسرة والمجتمع
الحل لا يكون بالمقاطعة الغاضبة فقط، بل بالتربية والتوجيه المستمر.
على الأسر أن تراقب المحتوى الذي يتعرّض له أبناؤها، وتزرع فيهم وازع الضمير والخوف من الله قبل الخوف من الناس.
كما على المجتمع أن لا يمنح الشهرة لمن لا يستحقها — فالمتابعة هي وقود هؤلاء. عندما نتوقف عن دعمهم، سيخفت بريقهم.
نموذج من الوعي العربي
في الآونة الأخيرة، أطلقت بعض المجتمعات حملات توعوية ضد الإسفاف على السوشيال ميديا، مثل حملة مقاطعة بعض المشاهير في الكويت، والتي نجحت في الحد من انتشار المحتوى الهابط.
هذه الخطوات العملية يمكن أن تلهم بقية المجتمعات العربية لتبني أساليب واعية مماثلة، بعيدًا عن العنف أو التنمر، بل عبر المسؤولية الجماعية والتوعية الهادفة.
الخاتمة
وسائل التواصل الاجتماعي ليست شرًا مطلقًا، لكنها مرآة لما نقدّمه نحن.
إن أردنا محتوى راقيًا، فعلينا أن نكون متابعين راقين، وأن نُدرك أن الكلمة والمتابعة والتفاعل أمانة.
فكما أن المال يمكن أن يُستثمر في الخير أو الشر، كذلك المتابعة والاهتمام.
الاختيار دائمًا بيدنا — بين السطحية والإغراء أو القيم والإصلاح.
0 comments:
إرسال تعليق
تعليقاتكم وملاحظاتكم تسرنا