
نجومية مستعجلة: بين أصالة الفن وضجيج الشهرة
الفن بين الأمس واليوم
في الماضي، كانت صناعة الفن تمر بمراحل طويلة وشاقة. كان الممثل يتدرّب، يتعلّم، يخوض التجارب، يسقط ويقوم حتى ينضج أداؤه ويكتسب خبرة تراكمية تُثري شخصيته الفنية. لذلك، بقيت تلك الأعمال خالدة رغم بساطة إمكانياتها التقنية.
أما اليوم، فقد دخل إلى الساحة جيل جديد من الوجوه السريعة التي صعدت بفضل ضوء الهاتف الذكي لا وهج الموهبة. لم يعد الفن يمرّ عبر المسار الطبيعي من دراسةٍ وتعبٍ وتجربة، بل عبر منصة تواصل، أو فيديو قصير، أو "هاشتاغ" يلقى رواجًا.
صناعة الشهرة في عصر السرعة
لم تعد الشهرة حكرًا على الفنانين الحقيقيين. فبفضل خوارزميات المنصات، أصبح بإمكان أي شخص أن يظهر، يثير الجدل، ويكسب آلاف المتابعين في أيام قليلة.
تعددت أنماط “النجوم الجدد”:
-
المثيرون للجدل: الذين يعتمدون على تصرفات غريبة أو محتوى صاخب لجذب الانتباه.
-
المؤثرون بالمظهر: الذين يعتمدون على الشكل الخارجي دون مضمون فني حقيقي.
-
الفاشنيستات وصناع المظاهر: ممن ربطوا الجمال بالشهرة والمال، فبات المقياس عدد المتابعين لا جودة الفكرة.
-
الظاهرة اللحظية: الذين يلمعون فجأة ثم يخفت بريقهم سريعًا لأنهم بلا أساس فني ثابت.
من النجومية إلى الاستعراض
المشكلة ليست في المنصات نفسها، بل في المعايير الجديدة التي حوّلت الفن إلى منافسة على الإعجابات بدل التقييم الفني.
صار البعض يقيس النجاح بعدد المشاهدات لا بعدد القيم التي قدّمها.
ولأن الأضواء تُغري، تسارعت الخطى نحو الشهرة دون وعيٍ بمسؤوليتها الاجتماعية والثقافية.
النتيجة؟
فقد الفن شيئًا من هيبته القديمة، وأصبح محتاجًا لإعادة تعريفٍ للنجومية: من يستحق اللقب؟ هل هو من يتقن التمثيل، أم من يثير الجدل؟
الفن الحقيقي لا يُشترى بالمتابعين
الفن الأصيل لا يُقاس بعدد المعجبين، بل بعدد القلوب التي أثّر فيها، ولا يُصنع في لحظة، بل في سنوات من العطاء.
نجوم الماضي لم تكن لديهم ملايين المتابعين، لكنهم حازوا احترامًا خالدًا لأنهم جسّدوا القيم والجمال والإبداع الحقيقي.
الجيل الجديد لا يُلام وحده، فالمجتمع والإعلام ومنصات الإنتاج ساهمت جميعًا في تضخيم شهرة سريعة لا تعيش طويلًا.
إعادة التوازن
المرحلة القادمة يجب أن تكون مرحلة فرز حقيقي بين الموهبة والضجيج.
يحتاج الفن إلى مؤسسات إنتاج تضع الموهبة في الصدارة، وتحتضن من يستحقون النجومية بالعمل والجهد لا بالجدل.
كما يحتاج الجمهور إلى أن يكون أكثر وعيًا، فلا يجعل من الشهرة السريعة معيارًا للنجاح.
الخاتمة
النجومية المستعجلة قد تصنع صخبًا، لكنها لا تترك أثرًا.
أما الفن الحقيقي، فربما لا يُحدث ضجة في لحظته، لكنه يعيش في الذاكرة طويلاً.
يبقى السؤال مفتوحًا أمام كل فنان جديد:
هل تبحث عن شهرة تُنسى؟
أم عن فنٍ يُخلّدك في ذاكرة الناس؟
0 comments:
إرسال تعليق
تعليقاتكم وملاحظاتكم تسرنا