
هل أرضى بالظلم؟ قراءة في ضعفنا الجماعي وسبل الاستعادة
الحرية قيمة أصيلة يولد بها الإنسان، ولا ينبغي أن تُستبدل بالرضوخ للظلم أو الاستسلام أمام الضغوط. لكننا اليوم نواجه ظاهرة مقلقة: ضعف جماعي في مواجهة ما يمس ثوابتنا وهويتنا. هذا الضعف لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج تراكمات تاريخية واجتماعية وسياسية.
منذ عهد الاستعمار وما تلاه من تأثيرات، دخلت دولنا في دوامة تغيّر عميق. المقاومة ضد الاحتلال والتحرّر أعقباها موجات تأثير أدت إلى تغيير مناهج تربوية وثقافية، وأضعفت مناعة مجتمعاتٍ كانت أقرب إلى ثوابتها. وأحيانًا، بدت بعض الأنظمة والجهات المحلية أكثر حرصًا على مصالحها الضيقة من حرصها على المصلحة العامة، ما سهّل استغلال الخارج لهذه الفجوات.
أحد أشدَّ الأضرار هو تدخل القوى الخارجية في تفاصيل الحياة الداخلية: سياسات تعليمية وثقافية تُعزل قيم الاعتزاز بالهوية أو تُستبدل بمضامين تُروّج للانفتاح بلا ضوابط. هذا لا يعني رفض كل جديد، فالتطور واجبٌ مطلوب، لكنه يتطلب وعيًا ومعايير تحفظ الهوية وتمنع التفكك الاجتماعي.
كما أن هناك دورًا مؤذيًا يلعبه بعض الأطراف الداخلية المتماهية مع مصالح خارجية: أولئك الذين يغازلون القوى الكبرى مقابل مكاسب مؤقتة يقدمون صورة منقسمة ومشتتة عن الأمة. مثل هذه المواقف تُضعف القدرة على التحالف وبناء إستراتيجيات مشتركة في مواجهة الضغوط الإقليمية والدولية.
في السياق المعاصر، برزت دول إقليمية تحاول استعادة دورها وتأمين مصالح شعوبها عبر سياسات مستقلة. هذا يدعو إلى التفاؤل، لكنه أيضًا يضع أمامنا تحديًا: كيف نُعزز وعي المجتمع ونبني مؤسسات قادرة على حماية الحقوق والمقدسات بدون الخضوع للمزايدات الخارجية؟
الإجابة تبدأ من الداخل: إصلاح مناهج التعليم، تقوية الخطاب الديني الوسطي الذي يدعو إلى العمل والبناء، تحفيز المجتمع المدني على المشاركة الفاعلة، وتعزيز الشراكات الاقتصادية والسياسية على أساس مصلحة وطنية حقيقية. كما أن استعادة الكرامة الجماعية تتطلب قيادة حكيمة تتعامل بذكاء دبلوماسي وتوازن بين الدفاع عن السيادة والانفتاح المسؤول.
الخوف من العقاب الخارجي والإكراه النفسي الذي يثنيه بعض القادة والشعوب ليس سوى تكتيك يستخدمه من يريد إبقاؤنا ضعفاء. تاريخ الأمة يعلمنا أن الشجاعة الجماعية والوحدة قادران على قلب المعادلات إذا صاحبهما تخطيط سليم وإدارة حكيمة للمصالح.
في الختام، الحرية لا تُمنح بالرضوخ ولا تُقوى بالاحباط. على الشعوب والقادة معًا أن يعيدوا ترتيب أولوياتهم لصالح المصلحة العامة، وأن يجعلوا الخشية الأولى هي خشية الله، أما خشية البشر فستزول بما يملأه الإيمان والعمل والوفاء بالواجبات الوطنية.
0 comments:
إرسال تعليق
تعليقاتكم وملاحظاتكم تسرنا