الجمعة، 31 ديسمبر 2021

Published ديسمبر 31, 2021 by with 0 comment

الفتاوى المعاصرة: بين ثوابت الدين ومتغيرات الواقع

 
فتاوى على الهوى

 الفتاوى المعاصرة: بين ثوابت الدين ومتغيرات الواقع


يشهد المشهد الديني المعاصر ظاهرة ملفتة تتمثل في فتاوى تثير الجدل، يصدرها أحياناً شخصيات تُحسب على العلم وتنتسب لمؤسسات إسلامية عريقة. هذا الأمر يطرح تساؤلاً مشروعاً حول منهجية إصدار الفتوى في عصرنا.

هيبة الفتوى بين الماضي والحاضر

لم يكن التصدي للفتوى في العصور الماضية أمراً هيناً. كان المفتي يراجع ويتردد كثيراً قبل إطلاق حكم شرعي، لعلمه بمدى تأثير كلمته، ومسؤوليته أمام الله، ومحاسبة العلماء له إن كان في قوله مخالفة أو ما قد يحدث فتنة بين المسلمين.

نحن هنا لا نهاجم العلماء، فلهم كل التقدير والاحترام، ولكن ما نراه من تساهل ملحوظ في أمور تمس صلب الدين يجبرنا على التساؤل والتعبير عن هذا القلق. إن الفطرة السليمة والعقل البسيط يرفضان بعض ما يُطرح، دون الحاجة للتخصص العميق في العلوم الشرعية.

ثوابت راسخة وفتاوى متغيرة

لقد عاصرنا جيلاً من العلماء الثقات الذين رحلوا وبقي علمهم، فكانت دروسهم وفتاواهم واجتهاهاداتهم صافية، مستمدة من الكتاب والسنة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تَرَكْتُكُمْ عَلَى المَحجّةُ الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لا يَزِيغُ عَنْهَا إِلاَّ هَالِكٌ". وحتى إن وُجد بينهم خلاف، كان مبيناً بأصوله العلمية الواضحة.

لكن ما نشهده اليوم، خاصة مع انتشار الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي، هو جرأة من بعض المنتسبين للعلم على معارضة نصوص وأحكام شرعية واضحة، وطرح آراء صادمة على الهواء مباشرة، مما يثير البلبلة والفتنة.

مثال على التناقض: فتوى تهنئة غير المسلمين

من الأمثلة الصارخة على هذا التغير، هو موقف بعض الدعاة من مسألة "تهنئة أصحاب الديانات الأخرى بأعيادهم".

  • في الماضي: كان البعض يحذر من هذا الأمر بشدة ويعتبره من المحاذير الشرعية.

  • حديثاً: نجد الشخص نفسه يخفف من لهجته.

  • اليوم: قد يخرج ليجيز الأمر بلا تحفظ.

هذا التناقض العجيب يطرح أسئلة ملحة:

  1. أليس الثبات على مبادئ الدين من أصوله؟

  2. هل أصبحت الفتوى تتغير بتغير الزمن والعلاقات السياسية؟

  3. هل هناك ضغوط خفية تُمارس لتغيير هذه الأحكام؟

  4. أم أننا أمام منهج فقهي جديد يعيد تقييم الأمور بناءً على "فقه الواقع"؟

الحاجة إلى مراجعة وتصدي

إن هذه الظاهرة تستدعي وقفة جادة. وقد أشار إلى هذا الخطر عدد من الدعاة، مثلما جاء في حديث للداعية البحريني الشيخ حسن الحسيني حول "الفتاوى المعاصرة وتطورها"، حيث انتقد بأسلوبه الخاص غرابة بعض ما يُطرح.

إن مثل هذه الفتاوى المتغيرة تستحق التصدي لها، خاصة في عصر السرعة الذي تنتشر فيه الكلمة في ثوانٍ. نحن بحاجة لإعادة الهيبة لمنبر الفتوى، والتأكيد على أن الدين ليس خاضعاً للأهواء أو الضغوط، بل هو منهج واضح المعالم، يحتاج لمن يبلغه بأمانة وعلم.




Read More
    email this

الثلاثاء، 28 ديسمبر 2021

Published ديسمبر 28, 2021 by with 0 comment

تحديات المشهد العراقي: بين جهود الإصلاح ومعضلة السلاح المنفلت

 

العراق بين محارب الارهاب وبين مستخدم الارهاب

 تحديات المشهد العراقي: بين جهود الإصلاح ومعضلة السلاح المنفلت



يبرز اسم مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء العراقي السابق، كشخصية محورية حاولت تقديم رؤية مختلفة للمشهد السياسي. لقد قاد جهوداً حظيت بتقدير البعض وواجهت في الوقت ذاته معارضة قوية من أطراف لها أيديولوجيات وسياسات مغايرة، مما يعكس حالة الاستقطاب العميقة في البلاد.


لكن لفهم تعقيدات الوضع العراقي، يجب النظر إلى ما هو أعمق من الأسماء، وتحديداً إلى التحديات البنيوية التي تواجه الدولة.


تحديات سياسية وأمنية متشابكة


شهدت الساحة العراقية أحداثاً مفصلية، كان من أخطرها محاولة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق مصطفى الكاظمي. مثّل هذا الحدث رمزاً لحجم المخاطر التي تواجه أي مسار إصلاحي يسعى لتعزيز سيادة الدولة.


يُرجع العديد من المحللين هذه التحديات إلى الصراع بين رؤيتين:

  1. رؤية الدولة: تسعى لفرض القانون وحصر السلاح بيد المؤسسات الأمنية الرسمية.

  2. رؤية القوى الموازية: جماعات مسلحة تعمل خارج سيطرة الدولة، وتستمد قوتها من أجندات قد تكون مرتبطة بنفوذ إقليمي يسعى لخدمة مصالحه.

هذا الصراع تجلى بوضوح أيضاً في الجدل الذي رافق الانتخابات العراقية، حيث عكست النتائج وما تلاها من تجاذبات حالة الانقسام حول مستقبل وهوية الدولة العراقية.


معضلة "السلاح المنفلت" وسيادة القانون


يُعد "الفلتان الأمني" أو ما يُعرف بـ "السلاح المنفلت" التحدي الأكبر الذي يهدد استقرار العراق. لقد أصبحت المليشيات المسلحة المتعددة قوة يُحسب لها حساب، خاصة مع توافر السلاح بكثافة خارج الإطار الرسمي.


هذا الوضع يخلق بيئة أشبه بـ "قانون الغاب"، حيث تفرض القوة نفسها على المشهد. وغالباً ما يتم تغذية هذا الوضع عبر دعم خارجي يسعى لكسب الولاءات وضمان استمرار نفوذه على الساحة العراقية.


لقد اصطدمت محاولات الكاظمي المتكررة لجمع السلاح وجعله حكراً على الدولة بحواجز وعوائق قوية من قوى نافذة ترفض الانصياع للقانون، لأن ذلك يهدد مصادر تمويلها ونفوذها، ووصل الأمر إلى حد الاستهداف المباشر للمؤسسة الرسمية.


الفساد والانقسام المجتمعي كعوامل معرقلة

لا تقتصر التحديات على الجانب الأمني فقط، بل تمتد جذورها إلى عمق الإدارة والمجتمع:

1. الفساد الإداري والمالي

أحد أهم أسباب تدهور الوضع هو الفساد المستشري الذي جلبته التدخلات الخارجية وغياب المحاسبة. أصبح المنصب في كثير من الأحيان وسيلة للثراء على حساب المصلحة العامة، إما بسبب الظروف المعيشية الصعبة أو الطمع والجشع.

2. استغلال الخطاب الطائفي

يُستغل الخطاب الطائفي والمذهبي من قبل أطراف متعددة لتعميق الانقسامات بين أبناء الشعب الواحد. بدلاً من التركيز على المشتركات الوطنية، يتم أحياناً استخدام المنابر لتغذية الكراهية، مما يمنع التآخي ويفتح الباب أمام كل من يريد استغلال هذه الانقسامات لبث الطائفية المقيتة.


الطريق نحو التعافي: إمكانات داخلية ودعم عربي


إن بلاد الرافدين تستحق مستقبلاً أفضل سياسياً واجتماعياً واقتصادياً. خيرات العراق الهائلة هي من حق أهله أولاً، ومن الظلم أن تُستخدم هذه المقدرات لخدمة أجندات خارجية بدلاً من النهوض بالبلد.

يتمتع الشعب العراقي بطاقات وإمكانيات كامنة أبهرت العالم عبر التاريخ. ولو قُدّر للعراق أن يُفعّل طاقات أبنائه ويدعمهم، لكان في قمة التطور والازدهار، بدلاً من حصر مواهبه في جوانب لا تنهض بها الدول.


أهمية العمق العربي

لقد أدى ترك العراق وحيداً في مواجهة التدخلات الإقليمية إلى استفادة أطراف أخرى من هذا الفراغ ونشر نفوذها. لكن، شهدنا مؤخراً انفتاحاً خليجياً وعربياً جاداً نحو العراق.

هذا التوجه ضروري لإنقاذ سفينة العراق وإعادته إلى عمقه العربي الطبيعي. إن مد الأشقاء في دول الخليج أيديهم لمساعدة العراقيين في بناء دولة حديثة ومتطورة، يأتي من منطلق الحرص على استقرار العراق وخوفاً من أن تتحول أراضيه إلى منطلق لتهديد أمن المنطقة بأسرها.

Read More
    email this